للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استدلَّ أبوحنيفة على تنجيس الغدير ائَذي يتحرك طرفُه بتحرك الطَّرف الآخر؛ بوقوع النجاسة فيه، فإِن الصيغة صيغةُ عموم، وهو عند الشَّافعية وغيرهم محمول على ما دونَ القلَّتين، وعدم تنجيس القلَّتين فما زاد إلا بالتغير مأخوذ من حديث القلَّتين؛ جمعًا بين الحديثين؛ فحديث القلَّتين خاص، وهذا الحديث مقتضاه العموم، والخاص مقدَّم على العام.

ولأحمد - رحمه الله - طريقة أخرى، وهي الفرق بين بول الآدمي وما في معناه من العذرة المائعة وغير ذلك من النجاسات، فأمَّا بول الآدمي وما في معناه، فينجِّس الماءَ، وإن كان أكثر من قلَّتين، وأمَّا غيرُه من النجاسات، فيعتبر فيه القلَّتان، وكأنه رأى [أن] الخبث المذكور في حديث القلَّتين عامٌّ بالنسبة إلى الأنجاس، وهذا الحديث خاص بالنِّسبة إلى بول الآدمي، فقدَّم الخاصَّ على العام بالنسبة إلى النجاسات الواقعة في الماء الكثير، ويخرج بولُ الصَّبِيِّ (١) وما في معناه من جملة النجاسات الواقعة في القلَّتين؛ لخصوصه، فينجس الماء دون غيره من النَّجاسات، ويلحق بالبول المنصوص عليه ما يُعْلَمُ أنه في معناه.

ومالك - رحمه الله - حمل النَّهيَ على الكراهة للتَّنزيه مطلقًا؛ لاعتقاده أَن الماءَ لا يَنْجُسُ إلا بالتغير بالنجاسة، فخرج بالحديث عن الظَّاهر عند الكل بالتخصيص أو التقييد؛ للإجماع على أن الماء الكثيرَ المستبحِرَ لا تؤثر فيه النجاسة، وأنه إذا غيرته النجاسةُ (٢)، ولو كان يسيرًا، امتنع استعماله:

فللحنفية أن يقولوا: خرج عن المستبحر الكثير بالإجماع، فيبقى فيما عداه على حكم النص، فيدخل تحته ما زاد على القلَّتين.

وللشافعية أَنْ يقولوا بقولِ أبي حنيفة: في خروج المستبحر للإجماع، ويخرج القلَّتان فيما زاد بمقتضى حديث القلَّتين، فيبقى فيما عداه، وما نقص عن القلَّتين داخلًا تحت مقتضى الحديث.


(١) في "ح": "الآدمي"، وهو الصواب.
(٢) في "ح": "غير بالنجاسة".

<<  <  ج: ص:  >  >>