للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وللحنابلة أَنْ يقولوا: خرج ما ذكرتموه، وما دون القلَّتين داخل تحت نصِّ الحديث، وما زاد على القلَّتين عام في الأنجاس، فتخصَّصَ ببول الآدمي.

ولمخالفهم أَنْ يقولَ: معلوم جزمًا أَنَّ النهي إنَّما هو لمعنى النَّجاسة، وعدم التَّقرب إلى الله تعالى بما خالطها، وهذا المعنى يستوي فيه سائر الأنجاس، ولا يتجه فرق بين بول الآدمي وغيره في هذا المعنى، ولا يقال: إن بولَ الآدمي أشد استقذارًا من غيره من سائر النَّجاسات، فيكون أوقعَ وأنسبَ في المنع؛ فإنه ليس كذلك، بل قد يساوي غيره، أو يَرجح عليه غيره في الاستقذار والنفرة منه، فلا يبقى لتخصيصه معنًى في المنع دون غيره، فحينئذٍ يحمل الحديث على أنَّه وردَ من باب التنبيه على ما يشاركه في معناه من الاستقذار، وإذا وضح المعنى، شمل الكل، والجمود على خلافه ظاهرية محضة.

وللمالكية أَنْ يقولوا: وجبَ إعمال الحديث فيما يمكن إعماله فيه من كراهة التنزيه في القليل والكثير مع وجود الإجماع على تحريم الاغتسال بعد تغير الماء بالبول، وذلك يلتفت إلى مسألة أصولية، وهي جواز حمل اللَّفظ الواحد على معنيين مختلفين، فإذا جعلنا النَّهي للتحريم، كان استعماله في كراهة التَّحريم والتنزيه، من باب استعمال اللَّفظ الواحد في حقيقته ومجازه، والأكثرون على منعه، والشَّافعي وغيره يقولون بجوازه.

وقد يقال: حالة التغير مأخوذة من غير هذا اللَّفظ، فلا يلزم استعمال اللَّفظ في معنيين مختلفين، وهو متجه، إلَّا أَنَّه يلزم منه التَّخصيص في الحديث.

وقد استدلَّ بعض العلماء برواية مسلم المذكورة على خروج الماء المستعمل عن التطهير به؛ إما لنجاسته كما نقل عن أبي حنيفة - رحمه الله -، ونقل عنه الرجوع عن ذلك، وإما لعدم طهوريته، قال: لأنَّ النَّهيَ واردٌ على مجرد الغسل، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَغْتَسِلْ الحديث"، فدل على وقوع المفسدة بمجرده، ولا بدَّ في الحديث من التَّخصيص بحديث القلَّتين على مذهب الشَّافعي، أو المستبحر على مذهب أبي حنيفة؛ فإن الاستعمالَ لا يؤثر فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>