للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا وإنفاقُهم -غالبًا- إنما هو فيما لم يأذن فيه الشرع، فيقدمون حظوظ نفوسهم في الأموال على حقوق الله تعالى فيها، فيقع الهلاك بعد الإمهال من غير إهمال؛ لأن فعلهم عين الإضاعة، والله أعلم.

وأما إنفاق المال في مصالح الدنيا وملاذٍّ النفس على وجه لا يليق بحال المنفق وقدرِ ماله، فإن كان لضرورة مداواة، أو دفع مفسدة تترتب، فليس بإسراف، وإلا ففي كونه إسرافًا فيه وجهان: المشهور أنه إسراف، وصحح الرافعي في "المحرر" (١) الإسراف، ووجهه أنه يقوم مصالح البدن وملاذه، وهو غرض صحيح، لكنه يؤدي به الحال غالبًا إلى ارتكاب المحذور والذل، وما أدى إلى المحذور فهو محذور، وظاهر القرآن العظيم يقوي أنه إسراف في غير آي، والله أعلم.

قال شيخنا أبو الفتح - رحمه الله -: والأشهر في مثل هذا أنه يباح؛ أعني: إذا كان الإنفاق في غير معصية، وقد نوزع فيه (٢).

وقوله: "وكثرة السؤال" فيه وجهان للعلماء:

أحدهما أنه راجع إلى الأمور العملية، وقد كانوا يكرهون تكلف المسائل التي لا تدعو الحاجة إليها، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أعظمُ الناسِ جُرْمًا عندَ الله من سألَ عن شيء لم يُحَرَّمْ على المسلمين، فَحُرِّمَ عليهم من أجلِ مسألته" (٣)، وفي حديث اللعان لما سئل - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد مع امرأته رجلًا، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائلَ وعابها (٤)، وفي حديث معاوية - رضي الله عنه -: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن


(١) كتاب: "المحرر في فروع الشافعية" للإمام أبي القاسم عبد الكريم أبي محمد الرافعي القزويني المتوفى سنة (٦٢٣ هـ)، وهو كتاب معتبر مشهور بين الشافعية، وعليه شروح كثيرة. انظر: "كشف الظنون" (٢/ ١٦١٢).
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ٩١).
(٣) رواه مسلم (٢٣٥٨)، كتاب: الفضائل، باب: توقيره - صلى الله عليه وسلم -، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٤) رواه مسلم (١٤٩٨)، كتاب: اللعان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>