المؤمنين، وعائشة كانت أمهم، وأتما الصلاة في السفر، فلو كان القصر واجبًا، لما أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أتم من الصحابة معه في السفر عليه، ولَما فعله عثمان وعائشة، فدل على جوازه، وأنهم أخذوا بأحد الجائزين، وتركوا الأفضل؛ لمعان اقتضت ذلك في اجتهادهم، لا أنهم تركوا الواجب وما أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة في حياته عليه، والله أعلم.
والحجة على أن القصر أفضلُ من الإتمام مواظبةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه في السفر، وقال بعض العلماء بوجوبه فيه كما تقدم تبيينه قريبًا، بخلاف الصوم؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يواظب عليه في السفر، ولم يقل أحد بوجوبه في السفر -أيضًا-، ولأنه إذا أفطر فيه، خرج به عن وقته، ووجب قضاؤه، والقصر لا يخرج الصلاة عن وقتها، بل يأتي بالصلاة في وقتها المشروع، إما منفردة، أو جمعًا، وقد تقدم في الباب قبله حدُّ السفر الطويل والقصير.
قال الشافعي ومالك وأصحابهما، والليث، والأوزاعي، وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم: لا يجوز القصر إلا في مسيرة مرحلتين قاصدتين، وهي ثمانية وأربعون ميلًا هاشمية، والميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضة معتدلة، والإصبع ست شعرات معترضات معتدلات.
وقال أبو حنيفة والكوفيون: لا تقصر في أقل من ثلاث مراحل، وروي عن عثمان، وابن مسعود، وحذيفة.
وقال داود وأهل الظاهر: يجوز في السفر الطويل والقصير، حتى لو كان ثلاثة أميال، قصر.
ثم مذهب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وأحمد، والجمهور أنه يجوز القصر في كل سفر مباح، وشرط بعض السلف كونَه سفرَ خوف، وبعضهم كونَه سفرَ حج أو عمرة أو غزو، وبعضهم كونَه سفرَ طاعة، وجوزه أبو حنيفة والثوري في سفر المعصية، ومنعه الشافعي، ومالك، وأحمد والأكثرون.
= غير معصية، عن أبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -.