وقال مالك، والليث، وأبو حنيفة، والثوري، وجماعة كثيرة من الصحابة والتابعين، وهو مروي عن عمر وعثمان: لا يصليهما؛ لوجوب الاشتغال بالإنصات للخطبة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قلتَ لصاحبِكَ والإمامُ يخطبُ: أنصتْ، فقد لَغَوْتَ"(١).
قالوا: فإذا منع من الكلمة، وهي: أنصت، مع كونها أمرًا بمعروف ونهيًا عن منكر في زمن يسير، فلأن يمنع من الركعتين مع كونهما مسنونتين في زمن طويل من باب الأولى.
واعتذروا عن الأحاديث المذكورة من أمره للرجل الداخل أنه مخصوص به؛ لأنه كان فقيرًا، فأريد قيامه لتستشرفه العيون، ويتصدق عليه، وأيدوا ذلك بأمره - صلى الله عليه وسلم - له بالقيام؛ لأن ركعتي التحية تفوت بالجلوس، وقد تمَّ، وبأن الحديث المذكور خبر واحد، والمالكية تقدم عملَ أهل المدينة عليه، ويرون العمل به أولى من خبر الواحد، والحنفية ترده فيما تعم البلوى به.
والجواب عن ذلك بأن التخصيص على خلاف الأصل يبعد الحمل عليه مع صيغة العموم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاء أحدُكم الجمعةَ والإمامُ يخطب"؛ فإنه تعميم يزيل توهم التخصيص بهذا الرجل، ومذهبُ المالكية معروف في رد خبر الواحد بعمل أهل المدينة، [ومذهب] الحنفية معروف -أيضًا- في رده بما تعم به البلوى، وبالقياس الجلي في كتب أصول الفقه.
وأما الجلوس قبل أن يركعهما، فمكروه للعالم بأنها سنة، وأما الجاهل، فيستحب له تداركها على قرب، ولا تسقط بمجرد الجلوس، ولا بالنسيان إذا ذكرها على قرب، والاشتغال بالركعتين للداخل مستثنى من عموم الأمر بالإنصات للخطبة، والله أعلم.
(١) رواه البخاري (٨٩٢)، كتاب: الجمعة، باب: الإنصات يوم الجمعة والامام يخطب، ومسلم (٨٥١)، كتاب: الجمعة، باب: في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.