في تحصيل ثواب أصل البدنة أو البقرة أو الكبش، ولكن ثواب بدنة الأول أكمل من ثواب الآخر، والمتوسط، وثواب بدنة المتوسط بينهما، كما أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، ومعلوم أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف، فمن صلى في جماعة هم عشرة آلاف مثلًا، درجاته أكمل من درجات من صلى مع اثنين، مع نظائر كثيرة لهذا، والله أعلم.
ثم المراد بالغسل المتقدم في الحديث على الرواح الإطلاق لأجل الجمعة من غير مواقعة لزوجة أو جارية، واستحبه بعض أصحاب الشافعي في كتب الفقه، قال: ليكون أغضَّ لبصره وأسكنَ لنفسه، مستدلًا برواية في "صحيح مسلم": "من اغتسلَ يومَ الجمعةِ غُسْلَ الجنابةِ"(١)، وهو استدلال ضعيف؛ لأن معنى الحديث: من اغتسل غسلًا كغسل الجنابة في الصفات، لا في الموجبات له من جماع أو احتلام، والله أعلم.
وفي هذا الحديث أحكام:
الأول: الحثُّ على الغسل يوم الجمعة، وتقدم الاختلاف في وجوبه واستحبابه في الحديث الثاني من هذا الباب، لكن في هذا الحديث عمومٌ أكثر من ذلك؛ فإن عمومه بالمجيء، والأمر بالغسل مقيد به، وهنا عمومه من حيث الحث عليه، وعلى التبكير إلى الجمعة، سواء كان رجلًا أو امرأة، وسواء كان صبيًّا أو جارية؛ لأن القربات تصح من هؤلاء كلهم، فيشرع لكل مريد للجمعة مطلقًا، ويتأكد في حق الذكور البالغين أكثر من غيرهم من النساء والصبيان المميزين؛ فإنه في حق النساء قريب من التطيب، ولا يكره في حقهن؛ فإنه تنظف له محض، وهو مطلوب للجمعة وغيرها، ولأصحاب الشافعي في هذه المسألة اختلاف وجوه:
أصحها: ما ذكرنا.
والثاني: يستحب للذكور خاصة.
(١) الرواية في "صحيحي البخاري ومسلم"، وقد تقدم تخريجهما قريبًا.