للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وابن عباس وابن عمرو بن العاص حجة عليهم، مع أنه قد صح غيره أيضًا، وهو ثلاث ركعات، وأربع ركعات في ركعة واحدة، لكن قال ابن عبد البر: أحاديث قول الجمهور أصحُّ ما في الباب، وما باقي في الروايات المخالفة معللة ضعيفة (١).

قلت: وحديث جابر بن سمرة وأبي بكرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكسوف ركعتين (٢)، الذي احتج به الكوفيون، مطلق، والروايات الصحيحة تبين المراد به، وبتقدير صحته، فالروايات الكثيرة أصح، ورواتها أحفظ وأضبط، ومن العلماء من اعتذر عنه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع رأسه ليختبر حال الشمس، هل انجلت أم لا؟ فإذا لم يرها انجلت، ركع.

وقال شيخنا أبو الفتح القاضي - رحمه الله -: وفي هذا التأويل ضعف إذا قلنا: سنتها ركعتان كسائر النوافل (٣).

ومن العلماء من قال: اختلاف الروايات بحسب اختلاف حال الكسوف، ففي بعض الأوقات تأخرَ انجلاءُ الكسوف، فزاد عددَ الركوع، وفي بعضها أسرعَ الانجلاء، فاقتصرَ، وفي بعضها توسَّطَ بينهما، فتوسَّطَ في عدده.

واعترض الأولون على هذا بأن تأخر الانجلاء لا يعلم في أول الحال، ولا في الركعة الأولى، وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء، وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه، منويٌّ من أول الحال، وكان العلماء


(١) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (٣/ ٣١٤)، قلت: وقد أطال - رحمه الله - في هذا الموضع من ذكر الحجج على قول الجمهور، فمن أراد الشفاء من هذا، طالعَه هناك فاشتفى. وقد نقل المؤلف - رحمه الله - هنا عبارة الإمام النووي في "شرح مسلم" (٦/ ١٩٨) في حكاية كلام ابن عبد البر.
(٢) رواه البخاري (١٠١٤)، كتاب: الكسوف، باب: الصلاة في كسوف القمر، عن أبي بكرة - رضي الله عنه -.
ورواه مسلم (٩١٣)، كتاب: الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، عن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه -.
(٣) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>