للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أبو مسعود الأنصاري، فتقدم ذكره.

واعلم أن كسوف القمر كان في جمادى الاَخرة السنة الخامسة من هجرته - صلى الله عليه وسلم -[إلى] المدينة فيما ذكره أبو حاتم بن حبان - رحمه الله - في "تاريخه"، قال - رحمه الله -: فجعلت اليهود يرمونه بالشهب، ويضربون بالطاس، ويقولون: سحر القمر، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف، هذا آخر كلامه.

قلت: فثبت بما ذكره أن الضرب على الطاس ونحوه عند كسوف القمر من فعل اليهود، فينبغي أن يُجتنب؛ لعموم نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التشبُّه بالكفار، وأمرِه - صلى الله عليه وسلم - بمخالفة اليهود.

وأما كسوف الشمس، فكان في سنة ست من الهجرة، وبعد رجوعهم من سرية إلى العمر وقبل سرية إلى ذي الفضة، ثم كان بعد ذلك في سنة عشر من الهجرة، يقال: إنه كان يوم مات إبراهيم يوم عاشوراء، ولا يصح؛ فإن إبراهيم بن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، وعاش ستة عشر شهرًا، وكان من مارية القبطية، هكذا ذكره ابن حبان الحافظ (١)، وأما القضاعي، فقال: ولد سنة ثمان من الهجرة، ومات وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام، وعلى كلا القولين لا يصح موته يوم عاشوراء نقلًا، ولا يصح -أيضًا- في اصطلاح أرباب تسيير الكواكب، والله أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ، معناهما: أنهما علامتان دالتان على عظم قدرة الله تعالى وقهره، وكمال إلهيته، وإنما خصهما بالذكر؛ لما وقع للجاهلية من أنهما لا يخسفان إلا لموت عظيم، وهذا لا يصدر إلا ممن لا علمَ له، ضعيفِ العقل، مختلِّ الفهم، فرد - صلى الله عليه وسلم - جهالتهم، وتضمن ذلك الرد على من قال بتأثيرات النجوم، ثم أخبر - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى الذي لأجله ينكسفان، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يخوف الله بهما عباده"؛ أي: إنه ينبغي للعباد الخوف عند وقوع


= كتاب: الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة، وهذا لفظ مسلم.
(١) انظر: "الثقات" لابن حبان (١/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>