للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخص هنا خسوفهما بالتخويف؛ لأنهما أمران علويان نادران طارئان عظيمان، والنادر العظيم مُخيف موجع، بخلاف ما كثر وقوعهُ؛ فإنه لا يحصل منه ذلك غالبا، و -أيضًا- فلما وقع فيهما من الغلط الكثير للأمم التي كانت تعبدها، ولما وقع من اعتقاد تأثيرهما حتى قالوا: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال - صلى الله عليه وسلم - هذا الكلام ردًّا عليهم، والحكمة في ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينكسفان لموت أحد من الناس": أن بعض الجاهلية الضلال كانوا يعظِّمون الشمسَ والقمر، ويقولون: انخسفا لموت العظماء؛ لعظمهما عندهم، فبين - صلى الله عليه وسلم - أنهما مخلوقان، لا صنع لهما؛ كسائر المخلوقات، يطرأ عليهما النقص والتغيير كغيرهما، وكان بعض الضلال من المنجمين وغيرهم يقولون: لا ينكسفان إلا لموت عظيم، حتى قالوا عند مصادفة موت إبراهيم - رضي الله عنه -، فبين - صلى الله عليه وسلم - أن هذا باطل -أيضًا-؛ لئلا يغتر أحد بأقوالهم، والله أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا رأيتم منها شيئًا، فصلُوا وادعوا حتى ينكشفَ ما بكم" معناه: بادروا بالصلاة والدعاء، وأسرعوا إليهما حتى يزول هذا العارض الذي يخاف كونه مقدمةَ عذاب أو وجود عذاب، ولا شك أن الله -عزَّ وجلَّ- امتنَّ على البشر بالشمس والقمر ونورهما، ووصف القمر بالنور، والشمسَ بالسراج، فإذا زال ذلك، أو تغير، فهو عذابٌ حاضر، سواء عاد نورهما، أم لم يعد، لكن عدم عودهما أشدُّ عذابًا؛ لما يدل على قرب الساعة وأهوالها، فالإسراعُ إلى الصلاة والدعاء سببٌ لرفع البلاء غالبا، وفي أمره بالصلاةُ والدعاء جميعا ما يدل على أن المراد بالصلاة: الصلاة المشروعة للكسوف؛ لجمعه في الأمر بينهما، فلو كان المراد بالصلاة: الدعاء الذي به سميت الصلاة، لما حسن ذلك، فدل على ما ذكرنا، وإذا كان كذلك، فيقتضي الأمر بهما أن تكون غاية فعلهما إلى الانجلاء.

قال الفقهاء: إذا صليت صلاة الكسوف على الوجه المشروع، ولم يقع الانجلاء: إنها لا تصلى ثانيًا، بخلاف صلاة الاستسقاء؛ فإنهم إذا لم يُسْقَوا، صَلَّوا ثانيًا وثالثًا.

وقال شيخنا أبو الفتح القاضي - رحمه الله -: وليس في هذا الحديث ما يدل

<<  <  ج: ص:  >  >>