تقدم الكلام على بعض هذا الحديث في الحديث الأول والثاني، ونتكلم -إن شاء الله تعالى- على باقي ما يتعلق بهذا الحديث.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أمة محمد! ما من أحد أغيرُ من الله"، من زائدة، تقديره: ما أحدٌ، وثبت في "صحيح مسلم": "إنْ من أحدٍ"، وهي نافية بمعنى: ما، فعلى هذا، يجوز في أغير النصب خبر (إن) النافية؛ فإنها تعمل عمل (ما) عند الحجازيين، وعلى اللغة التميمية فيها: أغيرُ مرفوع على أنه خبر المبتدأ الذي هو أحد، فالوجهان جائزان، في رواية الكتاب في أغير النصب والرفع.
والغيرةُ في حقنا راجعة إلى تغير وانزعاج وهيجان يلحق الغَيْران عندما ينال شيءٌ من حرمه أو محبوباته يحمل على صيانتهم ومنعهم، وهذا التغير على الله تعالى مُحالٌ؛ إذ هو منزه عن كل تغير ونقص، لكن لما كانت ثمرة الغيرة صونَ الحريم ومنعَهم، وزجرَ القصد إليهم، أطلق ذلك على الله تعالى؛ إذ قد زجر وذم، ونصب الحدود، وتوعد بالعقاب الشديد من تعرض لشيء من محارمه، وهذا من باب التجوز، ومن باب تسمية الشيء باسم ما يترتب عليه.
ولا شك أن المنزهين لله تعالى عن سمات الحدث ومشابهة المخلوقين بين رجلين: إما ساكت عن التأويل، وإما مؤول على أن يراد شدة المنع والحماية من الشيء؛ فإن الغائر على الشيء مانعٌ له، حامٍ له، فالمنعُ والحماية من لوازم
(١) رواه البخاري (٩٩٧)، كتاب: الكسوف، باب: الصدقة في الكسوف، ومسلم (٩٠١)، كتاب: الكسوف، باب: صلاة الكسوف.