عشر وجهًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذكرها كلَّها الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الحافظ -رحمه الله تعالى- في "سننه"، وذكر ابن القصار المالكي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها في عشرة مواطن، وذكر غيره منهم أكثر من ذلك، وفي حديث ابن أبي حثمة وأبي هريرة وجابر: أنه صلاها يوم ذات الرقاع، وهي غزوة نجد وغطفان سنة خمس من الهجرة، وتقدم ذكرنا أنه صلاها بعسفان، وصلاها يوم بني سليم، وفي غراة جهينة، وفي غزوة محارب بنجد، وببطن نجد على باب المدينة، والمختار عند العلماء أن هذه الروايات كلها جائزة بحسب مواطنها، وفيها تفصيل وتفريع في كتب الفقه.
قال الخطابي - رحمه الله -: صلاة الخوف أنواع، صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام مختلفة، وأشكال متباينة، يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة، وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى (١).
ثم مذهب العلماء كافة أن صلاة الخوف مشروعة اليوم كما كانت، إلا أبا يوسف والمزني، فقالا: لا تشرع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لقول الله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ}[النساء: ١٠٢]، وقد يؤيد هذا بأنها صلاة على خلاف المعتاد، وفيها أفعال منافية، فجازت المسامحة فيها بسبب فضيلة إمامته - صلى الله عليه وسلم -، وما ذكراه لا يصلح أن يكون دليلًا على الخصوصية؛ لأنه لو كان دليلًا، للزم قصر الخطابات على من توجهت له، وحينئذٍ يلزم أن تكون الشريعة قاصرة على من خوطب بها، لكلن قد تقرر بدليل إجماعي أن حكمه على الواحد حكمه على الجماعة، وكذلك ما يخاطب به هو؛ كقوله تعالى:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ}[يونس: ٩٤]، و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ}[الأنفال: ٦٤]، ونحوه كثير، كيف وقد أمرنا باتباعه والتأسي به، فيلزم اتباعه مطلقًا حتى يدل دليل واضح على الخصوص، مع أن الصحابة -رضي الله عنهم- اطرحوا توهم الخصوص في هذه الآية والصلاة، وعَدَّوْا ذلك إلى غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم أعلم بالمقال، وأقعد بالحال،