ولا يلتفت إلى قول من ادعى الخصوصية، مع عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(١)، والله أعلم.
وصلاة الخوف هي الصلاة المعهودة، تحضر والمسلمون متعرضون لحرب العدو، وقد اختلف العلماء: هل للخوف تأثير في تغيير الصلاة المعهودة عن أصل مشروعيتها المعروفة، أم لا؟ ذهب الجمهور إلى أن له تأثيرًا، وهو راجع إلى ما ذكرناه من أنه خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، أم عام في جميع الأزمان؟ والله أعلم.
وقد أخذ بحديث ابن عمر هذا: الأوزاعي، وأشهب المالكي، وهو جائز عند الشافعي.
ثم قيل: إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معًا.
وقيل: متفرقين، وهو الصحيح، ورجح أبو حنيفة الأخذَ بحديث ابن عمر هذا، إلا أنه قال: بعد سلام الإمام تأتي الطائفة الأولى إلى موضع الإمام، فتقضي، ثم تذهب، ثم تأتي الطائفة الثانية إلى موضع الإمام، فتقضي، ثم تذهب، وقد أنكرت عليه هذه الزيادة.
وقيل: إنها لم ترد في حديث، واختار الشافعي رواية صالح بن خوات عمن صلَّى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف الآتية.
واختلف أصحابه لو صلى على رواية ابن عمر هل تصح، أم لا؟ الصحيحُ: الصحةُ؛ لصحة الرواية، وترجيح رواية صالح من باب الأولى، واختار مالك ترجيح الصفة التي ذكرها سهل بن أبي حثمة التي رواها هو عنه في "الموطأ" موقوفةً، وهي تخالف الرواية المذكورة في الكتاب في سلام الإمام، فإن فيها أن الإمام يسلم، وتقضي الطائفة الثانية بعد سلامه.
ولما رجح الفقهاء بعض الروايات على بعض، احتاجوا إلى ذكر سبب الترجيح، فتارة يرجحون بمواقع ظاهر القرآن، وتارة بكثرة الرواة، وتارة بكون بعضها موصولًا، وبعضها موقوفًا، وتارة بالموافقة للأصول في غير هذه الصلاة،