للفقهاء، وإذا قيل بأنه ينتظرها قبل قيامه، فهل تفارقه الطائفة الأولى قبل تشهُّدِه عند رفع رأسه من السجود، أو بعد التشهد؟ اختلف الفقهاء فيه، وليس في الحديث دلالة على أحد المذهبين، وإنما يؤخذ بطريق الاستنباط منه.
قال: شيخنا القاضي أبو الفتح -رحمه الله تعالى-: ومقتضى الحديث -أيضًا- أن الطائفة الأولى تتم لأنفسها مع بقاء صلاة الإمام، وفيه مخالفة للأصول في غير هذه الصلاة، لكنه فيها ترجيح من جهة المعنى؛ لأنها إذا قضت وتوجهت إلى نحو العدو، وتوجهت فارغة من الشغل بالصلاة، وتوفر مقصود صلاة الخوف، وهو الحراسة على الصفة التي اختارها أبو حنيفة بتوجيه الطائفة للحراسة، مع كونها في الصلاة، فلا يتوفر المقصود من الحراسة، وربما أدى إلى أن يقع في الصلاة الضرب والطعن وغير ذلك من منافيات الصلاة، ولو وقع في هذه الصورة، لكان خارج الصلاة، وليس بمحذور، ومقتضى الحديث -أيضًا-: أن الطائفة الثانية تتم لنفسها قبل فراغ الإمام، وفيه ما في الأول، ومقتضاه -أيضًا-: أنه يثبت حتى تتم لنفسها ويسلم بهم، وهذا اختيار الشافعي، وقول في مذهب مالك، ثم ظاهر مذهب مالك أن الإمام يسلم، وتقضي الثانية بعد سلامه، وربما ادعى بعضهم أن ظاهر القرآن يدل على أن الإمام ينتظرهم ليسلم بهم؛ بناء على أنه فهم من قوله:{فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}[النساء: ١٠٢]؛ أي: بقية الصلاة التي بقيت للإمام، فإذا سلم الإمام بهم، فقد صلوا معه البقية، وإذا سلم قبلهم، لم يصلوا معه البقية؛ لأن السلام من البقية، وليس بالقوي الظهور، وقد يتعلق بلفظ الراوي من يرى أن السلام ليس من الصلاة من حيث إنه قال: فصلى بهم الركعة التي بقيت، فجعلهم مصلين معه بما يسمى ركعة، ثم أتى بلفظه، ثم ثبت جالسًا، فأتموا لأنفسهم، ثم سلم، فجعل لفظ السلام متراخيًا عن مسمى الركعة، إلا أنه ظاهر ضعيف، وأقوى منه في الدلالة ما دل على أن السلام من الصلاة، والعملُ بأقوى الدليلين متعين، هذا آخر كلامه -رحمه الله تعالى- (١).