للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صدقة" (١)، أو بمعنى أن متعلقها الأموالُ ذات النماء، وسميت بالنماء لتعلقها به، أو بمعنى تضعيف أجورها، كما ثبت أن الله تعالى يربي الصدقةَ حتى تكون كالجبل، وأما بالاعتبار الثاني، وهو التطهير، فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل، أو لأنها تطهر من الذنوب.

وقيل: سميت زكاة؛ لأنها تزكي صاحبها، وتشهد بصحة إيمانه، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والصدقةُ برهان" (٢)، وسميت -أيضًا- صدقة؛ لأنها دليل لتصديق صاحبها، وصحة إيمانه بظاهره وباطنه، وأثبت الشارع هذا الحق في المال لمصلحة الدافع والآخذ، فمصلحة الدافع تطهيره وتضعيفُ أجوره، ومصلحة الآخذ سدُّ خلته، وقد أفهم الشرع أن الزكاة وجبت للمواساة، وأنها لا تكون إلا في مال له بال، وهو النصاب، ثم جعلها في الأموال النامية، وهي العين والزرع والماشية، وأجمعوا على وجوب الزكاة في هذه الأنواع، واختلفوا فيما سواها؛ كالعروض، فالجمهور يوجبون الزكاة فيها، وداود يمنعها؛ تعلقًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ على المسلمِ في عبدِه ولا فَرَسِهِ صدقةٌ" (٣)، وحمله الجمهور على ما كان للقُنية.

وحدد الشرع نصابَ كل جنس بما يحتمل المواساة، فنصاب الفضة: خمس أواق، وهي مئتا درهم بنص الحديث والإجماع، وأما الذهب: فعشرون مثقالًا، والمعوَّل فيه على الإجماع والحديث، وأما الزروع والثمار والماشية: فنُصُبها معلومة، ورتب الشرع مقدار الواجب بحسب المؤونة والتعب في المال، فأعلاها وأقلها تعبًا الرِّكازُ: وفيه الخمس؛ لعدم التعب فيه، ويليه الزرع والثمر؛


(١) رواه مسلم (٢٥٨٨)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: استحباب العفو والتواضع، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "ما نقصت صدقة من مال. . .".
(٢) رواه مسلم (٢٢٣)، كتاب: الطهارة، باب: فضل الوضوء، عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه-.
(٣) رواه البخاري (١٣٩٤)، كتاب: الزكاة، باب: ليس على المسلم في فرسه صدقة، ومسلم (٩٨٢)، كتاب: الزكاة، باب: لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>