واعلم أنه لم يتعرض في الحديث للقدر الزائد على المحدود من المذكورات فيه، وقد أجمع العلماء على وجوب الزكاة فيما زاد على خمسة أوسق من الحب والثمر بحسابه، وأنه لا أوقاص فيها، واختلفوا فيما زاد على نصاب الذهب والفضة، قليلًا كان أو كثيرًا، هل فيه ربع العشر ولا وقص فيه؟ فقال مالك، والليث، والثوري، والشافعي، وابن أبي ليلى، ويوسف، ومحمد، وأكثر أصحاب أبي حنيفة، وجملة أهل الحديث: لا وقص فيه، وفيه ربع العشر، وهو يروى عن علي، وابن عمر، وقال أبو حنيفة، وبعض السلف: لا شيء فيما زاد على مئتي درهم حتى يبلغ أربعين درهمًا، ولا فيما زاد على عشرين دينارًا حتى يبلغ أربعة دنانير، فإن زادت ففي كل أربعين درهمًا درهم، وفي كل أربعة دنانير درهم، فجعل لها وقصًا كالماشية، واحتج الجمهور بما روى البخاري في "صحيحه" أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"في الرقة ربعُ العشرِ"(١) وهذا عام في النصاب وما فوقه، وبالقياس على الحبوب، ولأبي حنيفة في المسألة حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به.
واعلم أن المراد بالأواقي الخمسة الدراهم الخالصة من العين حقيقة دونها دراهم منقوشة، بل السبائك وغيرها حكمها، فلو كانت مغشوشة، لم يجب فيها شيء حتى يبلغ من الخالص مئتي درهم، وفي الحديث حجة لذلك، وفيه رد على المالكية؛ حيث أوجبوا الزكاة فيما نقص من المئتين فيه أو نحوها، وحجة مذهب الشافعي وموافقيه على عدم الوجوب في ذلك فإنه صرف لها دون خمس أواق، ثم قدر الدراهم منها خمسون حبة وخمسا حبة؛ لأن كل درهم ستة دوانق، ووزن كل دانق ثماني حبات وثلث حبة، وثلث خمس حبة من الشعير المطلق، والله أعلم.
* * *
(١) رواه البخاري (١٣٨٦)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الغنم، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.