والثالث: ما لم يظهر فيها قرينة لقصد التعميم لا عدمه، ولا يحتاج ذلك إلى دليل، بل يعرف ذلك من السياق، لا يقام عليه دليل بالاتفاق، ولذلك لو فهم المقصود من الكلام، وطولب بالدليل، لعسر إقامته، لكن الناظر يرجع إلى ذوقه ودينه وإنصافه، ولذلك لا خلاف أنه لا تجب الزكاة فيما نقص عن الأواقي الخمسة المحدودة، وهي مئتا درهم، لكن مالكًا - رحمه الله - تسامح في النقص اليسير جدًّا الذي يروج معه الدراهم والدنانير رواج الكامل، واختلف أصحابه في مقداره، فقبل: ما لا يُشاحّ فيه في العادة، وقيل: بأنه المقدار الَّذي يختلف فيه في الموازين، وحكي عن عمر بن عبد العزيز أن نقص ثلاثة دراهم وثلث دينار من نصابهما لا يسقط الزكاة، والظاهر مع الحنفية، والمعنى مع المالكية.
وليس في هذا الحديث تعرض للذهب، ولا تحديده بالأواقي، وقد أجمع العلماء على وجوب الزكاة في عشرين مثقالًا منه، وحكي عن الحسن البصري والزهري: أنهما قالا: لا تجب في أقل من أربعين مثقالًا، لكن الأشهر عنهما الوجوب في عشرين؛ لقول العلماء، وحكى القاضي عياض عن بعض السلف وجوب الزكاة في الذهب إذا بلغت قيمته مئتي درهم، وإن كان دون عشرين مثقالًا، وقال هذا القائل: ولا زكاة في العشرين حتى تكون قيمتها مئتي درهم.
واختلف العلماء فيما إذا ملك بعض نصاب من الذهب، وبعض نصاب من الفضة، هل يضم بعضه إلى بعض بالقيمة؛ فقال مالك والجمهور: يضمان في إكمال النصاب، لكن مالكًا يراعي الوزن، ويضم الأجزاء، لا على القيم، بل على الوزن؛ حيث إن مذهبه كل دينار لعشرة دراهم على الصرف الأول، وقال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والثوري يضم على القيم في وقت الزكاة، وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود: لا تضم مطلقًا.