للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جائزٌ بالإجماع، خصوصًا من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنْ حمَلْنَاه على ما فَضَلَ من ماءِ وضوئه بعد فراغه منه، فهو طهور بلا شكٍّ، وهو طاهر فيه، فلا يبقى فيه دليل من حيث اللَّفظ على ما أراده من طهوريَّة المستعمَل، وهو مذهب مالك، وهو قول قديم للشَّافعي، وجعل أن الوضوء -بالفتح- حقيقة في المستعمل، أو الأقرب إلى الحقيقة، وأَن استعمالَه في المعدِّ للوضوء مجازٌ، وأَنَّ الحملَ على الحقيقة أو الأقرب إليها أولى، فحينئذٍ حملُه على مطلق الماء أولى مِنْ حملِه على أَنْ يكونَ مقيدًا بالاستعمال، أو الإعداد، وهو قول جمهور الفقهاء وأئمة اللغة - والله أعلم -.

وهذا البحث أفاد إلى أن الماء المطلق يسمَّى وَضوءًا عند إطلاقه، أو لا بدَّ أَنْ يُقْصَدَ به الوضوء ويعد (١) له، وحينئذٍ يرجع إلى تأثير النيّات في الأعيان، وتغيير أحكامها، وهو موجود، - والله أعلم -.

وقوله: "فأفرغَ على يديه": أفرغ؛ أيْ: قَلَبَ وصبَّ على يديه ليغسلهما، واليدان تثنية يد، وهي مؤنثة.

ويؤخذ من الحديث الإفراغُ على اليدين معا، وفي الحديث الآخر: "أَفْرَغَ بيَدِهِ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، ثُمَّ غَسَلَهُما" (٢)، وهو قدر مشترك بين غسلهمَا مجموعتين أو مفرقتين، لَكِنْ إِنْ أمكنَ غسلُهما معًا، فهو أفضلُ هنا، وإلَّا قدَّم الكف اليمنى كما إذا غسل يده اليمنى إلى المرفق؛ فإِن الأفضلَ تقديمُها بلا شَكٍّ.

قوله: "ثُمَّ تمضمضَ واستنشقَ واستنثرَ": "ثُمَّ" مفيدة للتَّرتيب بين غسل اليدين، والمضمضة، وأصلُها مشعرٌ بالتَّحريك، ومنه: مضمضَ النُّعاس في عينيه: إذا تحرك، واستعملت في المضمضة لتحريك الماء في الفم،


(١) في "ح": "يعتد".
(٢) رواه أبو داود (١٠٩)، كتاب: الطهارة، باب: صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن طريقة البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٤٧)، وعن أبي علقمة: أن عثمان دعا بماء .... فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>