وهو حقيقته عندَ الفقهاء، ولا يُشترطُ مجُّه عندهم، حتى لو ابتلعه بعدَ ذلك، كان قد أتى بها، وعمل بالسُّنة فيها.
ومن ذكر المجَّ منهم في المضمضة، جرى على الأغلب في العادة.
والاستنشاق: أَخْذُ الماء بخياشيمه إلى أعلى.
والاستنثار: أَخْذُه مع الأذى منها إلى خارج، وقد تقدَّم في الحديث الرَّابع الكلامُ على الاستنشاق والاستنثار وحقيقتهما، وأنَّ بعضَهم جعلهما بمعنًى واحدٍ، وهذا الحديثُ يردُّ عليه؛ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - عطفهما، بعضَهما على بعض، والعطفُ يقتضي المغايرةَ.
قوله:"ويَغْسِلُهُمَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ" مبيِّنٌ لذكر العدد المهمَل في رواية مَن أهملَه؛ كمالكٍ وغيرِه، وهو المذكور -أيضًا- في رواية أبي هريرة في الحديث الرَّابع.
وقوله:"ثمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا" الوجهُ: مشتقٌّ من المواجهة، وهو عندَ الفقهاء كذلك، لكنِ اختلفوا في حَدِّهِ، فالذي عليه جمهورُهم أنَّه: ما بين مَنابتِ شعرِ الرَّأس في غالبِ المنابت -لا باعتبار الصَّلَع ولا الغمم- ومنتهى اللَّحْيين، وهما: مجتمع عظمي الحنك طولًا، وفي العرض: ما عدا وَتِدَي الأذنين.
و"ثمَّ" هنا للتَّرتيب بين المسنون والمفروض، وبعضُ الفقهاء رأى التَّرتيبَ في المفروض دونَ المسنون.
وقيل في حِكمةِ تقديمِ المضمضةِ والاستنشاقِ على غَسْلِ الوجهِ المفروض: أنَّ المعتبرَ في صفاتِ الماء للتَّطهير: لونٌ يُدْرَكُ بالبصر، وطعمٌ يُدْرَكُ بالذَّوقِ، ورِيحٌ تُدْرَكُ بالشَّمِّ، فقُدِّمت هاتان السُّنَتَّانِ لاختبارِ الماء، قَبْلَ فِعْلِ الفرضِ.
وقوله:"وَيَدَيْهِ إلى المِرْفَقَيْنِ" المرفق: بفتح الميم وكسر الفاء، وقيل: عكسه، لغتان، وكذلك المرفق: من الأمر الذي يَرتفقُ ويَنتفعُ به