للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان سبب الإخراج للفطرة أن صوم رمضان عبادة تطول ويشق التحرز فيها من أمور تفوِّت كمالَها، فجعل الشرع فيها كفارة مالية بدل النقص؛ كالهدي في الحج والعمرة، وكذلك الفطرة؛ لما يكون في الصوم من لغو وغيره، وقد جاء في حديث آخر: "أنها طهرةٌ للصائم من اللغو والإثم" (١)، فإن قيل: فقد وجبت على من لا إثم عليه ولا ذنب؛ كالصغير، والصالح المحقَّقِ الصلاح، والكافر الَّذي أسلم قبل غروب الشمس بلحظة، قلنا: التعليل بالتطهير لغالب الناس، كما أن القصر في السفر جُوَّز للمشقة، فلو وُجد من لا مشقة عليه، فله القصر، وهو أفضل، أو هو واجب عند بعضهم.

وأما الصاع: فهو مكيال معروف، وتقدم ذكره وضبطه في أبواب الطهارة، وخالف فيه أبو حنيفة - رحمه الله -، وجعل الصاع ثمانيةَ أرطال، واستدل مالك بنقل الخلف عن السلف بالمدينة، وهو استدلال قوي صحيح في مثل هذا، ولمَّا ناظر أبو يوسف بحضرة الرشيد في هذه المسألة، رجع أبو يوسف إلى قوله لما استدل بما ذكرناه.

وقوله: "فعدل الناس به نصف صاع من بر"، الضمير في (به) عائد على التمر، ومعناه: أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - كلم الناس على المنبر فقال: إني أرى أن مُدَّين من سمراءِ الشام تعدلُ صاعًا من تمر، فأخذ الناسُ بذلك، قال أبو سعيد الخدري: أما أنا، فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدًا ما عشت (٢)، وبه قال أبو حنيفة - رحمه الله - أنه يخرج نصف صاع من حنطة أو زبيب، وخالفه الجمهور ومالك والشافعي، فقالوا: الواجب من ذلك صاع أيضًا؛ لحديث أبي سعيد الآتي بعد هذا: كنا نخرج زكاة الفطر في زمان


(١) رواه أبو داود (١٦٠٩)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر، وابن ماجة (١٨٢٧)، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر، والحاكم في "المستدرك" (١٤٨٨)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ١٦٢)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٢) سيأتى تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>