للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب.

والدلالة فيه من وجهين:

أحدهما: أن الطعام في عرف أهل الحجاز اسمٌ للحنطة خاصة، لا سيما وقد قرنه بباقي المذكورات.

الثاني: أنه ذكر أشياء قيمتها مختلفة، وأوجب في كل نوع منها صاعًا، فدل على أن المعتبر صاع، ولا نظر إلى قيمته، ووقع في رواية أبي داود: أو صاعًا من حنطة، قال: وليس بمحفوظ (١)، وليس للقائلين بنصف صاع حجة إلا حديث معاوية، ولا يمكن أن يجعل إجماعًا بقول الراوي: فعدل الناس فيه نصف صاع، على هذا الحكم، ويقدم على خبر الواحد في حديث أبي سعيد؛ فإنه ملحق بالمرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يخفى مثله عنه، ولا يذكره الراوي في معرض الاحتجاج إلّا وهو مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع أن الإجماع وقع على إخراج صاع في غير الحنطة والزبيب؛ كيف والمروي عن معاوية قول صحابي قد خالفه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول صحبة منه وأعلمُ بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وإذا اختلفت الصحابة به، لم يكن بعضهم أولى من بعض، فيرجع إلى دليل آخر، وظاهر الأحاديث والقياس متفقة على اشتراط الصاع من الحنطة كغيرها، فوجب اعتماده، وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه، لا أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان عند أحد من حاضري مجلسه -مع كثرتهم تلك اللحظة- علمٌ في موافقة معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذكره؛ كما جرى لهم في غير هذه القضية.

وقوله: "على الذكر والأنثى، والحر والمملوك"، مقتضى هذا اللفظ وجوبُ إخراج الفطرة عن هؤلاء المذكورين، وإن كانت لفظة (على) تقتضي الوجوب عليهم نفسهم ظاهرًا، وقد اختلف الفقهاء في الَّذي يخرج عنهم، هل باشرهم الوجوب أولًا، والمخرِجُ عندهم بتحمله، أو الوجوب بلا في المخرج أولًا؟


(١) رواه أبو داود (١٦١٦)، كتاب: الزكاة، باب: كم يؤدى في صدقة الفطر؟

<<  <  ج: ص:  >  >>