للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهما وجهان أو قولان في مذهب الشافعي، فمن قال بمباشرة الوجوب للمذكورين أولًا، أخذ بظاهر الحديث؛ حملًا للفظة (على) مقتضاها ومن قال بلا في الوجوب المخرج أولًا، تأول لفظة (على) معنى (عن).

ثم قوله: "الذكر والأنثى" إلى آخره، يقتضي عموم الإخراج عن كل غني وفقير، فمن تعلق الوجوب به، وهو كونه من المسلمين كما قيد في الصحيح، خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه؛ حيث قالوا: لا يلزم من يحل له أخذها، وورد هذا الحديث لبيان مقدار الفطرة، ومن تقدر عليه، ولم يتعرض فيه لبيان من يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره، بل يشمل الجميع؛ إذ قد ذكر فيهم الحر والمملوك، ولم يفرق بين صغير وكبير، فأما الصغير، فلا خلاف عند من يقول: إنها تخرج بسببه أن وليه هو الَّذي يخاطَب بإخراجها؛ إذ الصبي لم يجر عليه بعدُ قلمُ التكليف، وأما المملوك، فمذهب الجمهور أنه ليس مخاطبًا بها؛ لأنه لا شيء له، ولو كان له مال، فسيده قادر على انتزاعه، خلافًا لداود؛ فإنه أوجبها على المملوك؛ تمسكًا بلفظ المملوك المذكور في الحديث، وقال: على سيده أن يتركه قبل الفطر، فيكتسب ذلك القدر، وليس له منعه من ذلك في تلك المدة، كما لا يمنعه من صلاة الفرض.

ثم إذا تنزلنا على قول في أنه لا يجب عليه شيء، فهل يخاطب السيد بإخراجها عنه، أم لا؟ جمهورهم أيضًا على أنه يجب ذلك عليه؛ لأنه يلزمه نفقته ومؤنته، وهذه من جملة المؤن؛ فإن المخاطب بإخراجها المكلفُ الواجد لها حين الوجوب عن نفسه وعمَّن تلزمه نفقته؛ بدليل ما رواه الدارقطني من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد ممن تمونون (١)، والذي في "صحيح مسلم" من حديث


(١) رواه الدارقطني في "سننه" (٢/ ١٤١)، وقال: رفعه القاسم، وليس بقوي، والصواب: موقوف، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ١٦١).
ورواه الإمام الشافعي في "مسنده" (ص: ٩٣)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ١٦١)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>