للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للبخاري: "فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" (١)، وقال أحمد بن حنبل وطائفة: معناه: ضيقوا له؛ أي: قدروه تحت السحاب، ولهذا جوز صوم ليلة الغيم عن رمضان.

لكن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فصوموا ثلاثين، وأكملوا عدة شعبان ثلاثين" يدلان على عدم التقدير لشعبان دون رمضان، ولا عكسه، بل لهما، فالتخصيص بأحدهما من غير مخصص خلف.

وقال ابن مطرف بن عبد الله، وابن سريج، وابن قتيبة، وآخرون من المالكية وغيرهم: معناه: قدروه بحساب المنازل الَّذي يراه المنجمون، وهو ضعيف جدًّا؛ لأن الناس لو كلفوا به، ضاق عليهم؛ فإن ذلك لا يعرفه إلا أفراد الناس، والشرع إنما يعرف إليهم بما يعرفه جماهيرهم.

قال شيخنا القاضي أبو الفتح بنُ دقيق العيد - رحمه الله - لا يجوز أن يعتمد عليه في الصوم بمفارقة القمر للشمس على ما يراه المنجمون من تقدم الشهر بالحساب على الشهر بالرؤية بيوم أو يومين؛ فإن ذلك إحداث لسبب لم يشرعه الله تعالى، وأما إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع؛ كالغيم مثلًا، فهذا يقتضي الوجوب؛ لوجود السبب الشرعي، وليس حقيقة الرؤيا مشترطة في اللزوم؛ فإن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم أن اليوم من رمضان، وجب عليه الصوم، وإن لم ير الهلال، ولا أخبره من رآه، هذا آخر كلامه، والله أعلم (٢).

وفي هذا الحديث فوائد:

منها: دلالة على تعليق الحكم بالرؤية، ولا يراد بها رؤية كل فرد من الأفراد، بل مطلق الرؤية، أما في أول شهر رمضان، فتكفي رؤية عدل -على


(١) رواه البخاري (١٨١٠)، كاب: الصوم، باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا".
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>