للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد ادعى بعضهم أن هذا الحكم خاص بهذا الرجل، وادعى غيره أنه منسوخ، وهما ضعيفان؛ إذ لا دليل على التخصيص، ولا على النسخ؛ فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أطعمه أهلك" عطية لا عن جهة الكفارة مقدمة في هذا الحال على الكفارة، مع استقرار وجوبها أولًا، وعدم رفعه بالحاجة التي هي واجبة مترتبة في الذمة لثبوته أول الحديث، والسكوت عن بيان بقائه لتقدم العلم به إما لأن ما ثبت في الذمة يتأخر بالإعسار، ولا يسقط؛ للقاعدة الكلية والنظائر؛ كالمفلس، أو الدليل يدل عليه أقوى من السكوت.

ومنها: وجوب القضاء على مفسد الصوم بالجماع، وبه قال جمهور الأئمة، وقال الأوزاعي: إن كفر بالعتق، أو الإطعام، صام يومًا مكانه، وإن يكفر بالشهرين، أجزأه عنه، وذهب بعضهم إلى عدم وجوب القضاء؛ لسكوته - صلى الله عليه وسلم -، والصحيح: وجوبه، والسكوتُ عليه لتقريره وظهوره، وقد روى أبو داود في بعض طرق هذا الحديث من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للرجل: "كلْه أنتَ وأهلُ بيتك، وصُمْ يومًا" (١)، وروي القضاء في غير أبي داود، من حديث عمرو بن شعيب، وسعيد بن المسيب، وهذا الخلاف في وجوب القضاء موجود في مذهب الشافعي ثلاثة أوجه لأصحابه، كالمذاهب الثلاثة، وفي حق الرجل، أما المرأة، فيجب عليها القضاء بلا خلاف.

ومنها: أن ما ثبت في حق الرجل من الكفارة إذا مكنت، ثبت في حق المرأة؛ لأنه ما ثبت في حق واحد ثبت في حق جميع الناس؛ لاستوائهم في الحكم، كيف إذا كانت المرأة ممكنة، فالتحريم منسوب إليها -أيضًا- بالتمكين، وهي آثمة به، مرتكبة كبيرة من الكبائر كما في الرجل، وقد أضيف اسم الزنا إليها في كتاب الله تعالى، ومدار الوجوب على هذا المعنى، وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب مالك، وأبو حنيفة، وأحمد في أصح الروايتين


(١) رواه أبو داود (٢٣٩٣)، كتاب: الصوم، باب: كفارة من أتى أهله في رمضان، والدارقطني في "سننه" (٢/ ١٩٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>