أحدهما: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - ذكر الحكم غير مقيَّد بعد سؤال السائل مطلقًا عن واقعة، يحتمل أن يكون وجوب الصَّوم فيها عن نذر، ويحتمل أن يكون عن غيره، لكن ذلك يرجع إلى قاعدة في أصول الفقه متَّفق عليها، وهي أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا أجاب بلفظ غير مقيَّد عن سؤال وقع عن صورة محتملة أن يكون الحكم فيها مختلفًا: أنه يكون الحكم شاملًا للأمور كلها، وهو الَّذي نقل عن الإمام الشَّافعي - رحمه الله تعالى -، وغيره. وعن أئمة أصول الفقه: ترك الاستفصال عن قضايا الأحوال، مع قيام الاحتمال، ينزل منزلة العموم في المقال.
وقد استدلَّ الشَّافعي بمثل هذا، وجعله كالعموم.
الوجه الثاني: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - علَّل قضاء الصوم بعلة؛ للنذر وغيره، وبينه بالقياس على الدَّين، وذلك لا يختص بالنذر في كونه حقًّا واجبًا، والحكم يعم بعموم علته، وقد استدلَّ القائلون بالقياس في الشريعة، بهذا الحديث؛ من حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاس وجوب أداء حقِّ الله تعالى، على وجوب حق العباد، وجعله من طريق الأحق، ويجوز لغيره القياس بقوله تعالى:{فَاتَّبِعُوُهُ} لا سيَّما وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيت" إرشاد وتنبيه على العلة التي هي والحكم كشيءٍ واحد مستقر في نفس المخاطب، وأما الرواية الثابتة، ففيها ما في الأولى؛ من دخول النيابة في الصَّوم، والقياس على حقوق الآدميين، إلا أنه ورد التخصيص فيها بالنذر، وقد يتمسك بها من يرى التخصيص بصوم النذر، إما بأن يدل الدليل على أن الحديث واحد، فيتبيَّن من بعض الروايات أن الواقعة المسؤول عنها واقعة واحدة، وهي النذر، فيسقط الوجه الأول؛ وهو الاستدلال بعدم الاستفصال، إذا تبيَّن عين الواقعة، إلا أنَّه قد يتعدَّى هذا التباين بين الروايتين؛ فإن في إحداهما: أنَّ السائل رجل، وفي الثانية امرأة، وقد تقرر في علم الحديث: أنه يعرف كون الحديث واحدًا باتِّحاد سنده ومخرجه، وتقارب ألفاظه، وعلى كل حال، فيبقى الاستدلال بعموم العلَّة، وتقديمه على عموم الحكم، كيف ومعنى عموم آخر،