وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ماتَ وعليه صيامٌ، صامَ عنه وليُّه"؟! فيكون التنصيص على مسألة صوم النذر مع ذلك العموم راجعًا إلى مسألة أصولية، وهو:
أنَّ التنصيص على بعض صور العام، لا يقتضي التخصيص، وهو المختار في علم الأصول.
وقد نسب بعض الشَّافعية المتأخرين إلى أنَّه قاس الاعتكاف والصَّلاة على الصَّوم في النيابة، وربَّما حكاه بعضهم وجهًا في الصلاة، فإن صحَّ، فقد يستدل بعموم التعليل.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: جواز صوم القريب عن الميِّت -كما تقدَّم-، واعتذر القاضي عياض - رحمه الله - عن مخالفة مذهبهم لهذه الأحاديث في الصَّوم عن الميِّت والحج، بأنَّها مضطربة، وهو عذر باطل، بدليل صحَّتها بالاتفاق.
ومنها: جواز سماع كلام المرأة الأجنبية ونحوها في الاستفتاء ونحوه من مواضع الحاجة.
ومنها: صحَّة القياس؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فدينُ الله أحقُّ بالقضاء".
ومنها: قضاء الدَّين عن الميِّت، وقد أجمعت الأمة عليه، ولا فرق بين أن يقضيه عنه وارث أو غيره، فيبرأ به بلا خلاف.
ومنها: تقديم دين الله - عزَّ وجلَّ - على دين الآدمي إذا تزاحما؛ كدين الزكاة، ودين الآدمي، ولم يمكن الجمع بينهما لضيق التركة عن الوفاء لكل منهما.
وقد يستدلُّ لتقديم الزكاة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فدين الله أحق بالقضاء"، وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال للشافعي:
أصحها: تقديم دين الله تعالى.
والثاني: تقديم دين الآدمي؛ لأنه مبنيٌّ على الشحِّ والمضايقة.