للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولفظة: أظلُّ، لا تستعمل إلا في النَّهار؛ فلو كان يأكل ويشرب حقيقةً، لما جاز إجماعًا، فدلَّ على أن المراد: الكناية عن القوَّة ونحوها، والله أعلم.

وفي هذا الحديث أحكام:

منها: المنع من الوصال لغير النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد اختلف السَّلف من الصَّحابة - رضي الله عنهم - وغيرهم من العلماء فيه، فمنهم من قال: إن قدر عليه ولا حرج في فعله، مستدلًا بقوله في "صحيح مسلم"، في بعض طرقه: نهاهم عن الوصال رحمةً لهم (١)، وهذا لا يمنع النَّهي عنه، وكونه مرجوحًا فعله؛ حيث إنَّ الشَّرع سدَّ باب الذرائع، ولما كان الوصال يؤدي غالبًا إلى المشقَّة وترك الواجب، منع منه؛ لئلَّا يتكلَّفوا ما يشقُّ عليهم؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لَسْتُ مِثْلَكُمْ".

ومنهم من أجازه وفعله، فممن فعله من الصَّحابة: عبد الله بن الزبير، وابنه عامر بن عبد الله، حتى روي أنَّ عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - كان يواصل سبعة أيَّام، حتى تتبيَّن أمعاؤه، فإذا كان اليوم السَّابع، أتي بسمن وصبر فَيتحساه (٢) حتى يفتق الأمعاء مخافة أن تنشقَّ بدخول الطَّعام فجأة فيها.

ومنهم من قال: لا يجوز الوصال، وهو قول الجمهور، ونصَّ الشَّافعي - رحمه الله - عليه وأصحابه، ولهم في المنع منه وجهان:

أحدهما: منع كراهة، وأصحهما: منع تحريم؛ لأنَّه لا معنى للنَّهي إلا التحريم مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقبلَ اللَّيلُ من هاهنا، فقد أَفْطَرَ الصَّائِمُ"، فأي وصال بقي؟

ومنهم من قال: يواصل إلى السَّحر، وبه قال ابن وهب، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه؛ لحديث أبي سعيد، وقد تقدَّم الكلام عليه، والمراد منه، والله أعلم.


(١) قلت: الراوية في "صحيحي البخاري ومسلم" وقد تقدم تخريجها من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) رواه الطبري في "تهذيب الآثار" (٢/ ٧٢١)، وابن حزم في "المحلى" (٧/ ٢٢)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٢٨/ ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>