الأَبَدَ" (١)، مع أنَّ الأبد لا يقتضي دخول الأيام المنهي عنها فيه. وهذا الاشتراط لا بأس به، لكنَّ الدليل الدَّال على كراهة صوم الدَّهر أقوى منه دلالة، فالعمل بالأقوى أولى وأوجب، والذين أجازوا صومه، حملوا النَّهي على من عجز عنه، أو اقترن به لزوم تعطيل مصالح راجحة عليه، أو متعلقة بحقِّ الغير؛ كالزوجة مثلًا.
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: أنَّ الكبير العالم إذا بلغه عن بعض أصحابه أمر يخالف الأولى في حقه، أو مطلقًا، أن ينبهه عليه، [ويبينه] له.
ومنها: أنَّ التزام الطَّاعات الشَّاقات التي لا يستطاع القيام بها، أو الدَّوام عليها، غيرُ لازمة.
ومنها: أنَّ الإنسان إذا سئل عما نقل عنه، يجيب بالواقع، ولا يورِّي؛ خصوصًا فيما يتعلَّق بالعبادات.
ومنها: أنَّ الشخص لا يعمل إلا ما يستطيع الدَّوام عليه، ويراعي في ذلك حقَّ الله - عزَّ وجلَّ -، وحقَّ نفسه، وحقَّ غيره.
ومنها: بذل الوسع في الاجتهاد في العبادات على حسب الطاقة، وأداء غيرها من الطاعات.
ومنها: جواز صوم الدَّهر، غير الأيام الخمسة المنهي عنها، وهو مذهب الجمهور.
وقد سرد الصَّوم عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - قبل موته بسنتين، وسرده
(١) رواه البخاري (١٨٧٦)، كتاب: الصوم، باب: حق الأهل في الصوم، ومسلم (١١٥٩)، (٢/ ٨١٤)، كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوت به حقًّا، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.