للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمعة، وقال بعضهم: سببه خشية أنَّ يستمر على صومه، فيعتقد فرضه، وهذا منتقض بصوم الأيام الَّتي حضَّ الشرع على صيامها؛ فإنها مشروعة الصِّيام والمواظبة عليها من غير كراهة، ولم تترك لخوف اعتقاد وجوبها، كيف وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يبيِّن هذا المعنى هنا كما بيَّنه في قيام رمضان؟! ولما زال المعنى، اتفق الصَّحابة - رضي الله عنهم - على قيامه.

وأجمع المسلمون على فعله من غير اعتقاد وجوبه، وبيَّن ذلك عمر - رضي الله عنه -، وهو مستمر إلى الآن من غير نكير.

وقيل: خشية أنَّ يعظم بالصوم، كما عظَّمت اليهود والنَّصارى السَّبت والأحد من ترك العمل، وهذا باطل؛ فإنَّ تعظيم يوم الجمعة ثابت مبيَّن في الكتاب والسُّنَّة بأمور كثيرة، ولا يلزم من تعظيمه بالصَّوم لو كان مشروعًا التَّشبُّهُ بالسَّبتية والأحدية، فإنَّهم لا يعظمونه بذلك، لم يكن نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن صومه ملزومًا بالتشبه بهم، ولا لازمًا، بل لأمر اطلع عليه - صلى الله عليه وسلم -، كيف وهم يعظِّمون سبتهم وأحدَهم بالأكل والشُّرب؛ فقد روى أبو حاتم بن حبَّان في "صحيحه" عن أم سلمة - رضي الله عنها -: أنَّ رسول الله أكثرَ ما كان يصوم من الأيام، يوم السَّبت والأحد، وكان يقول: "إنَّهما عيدانِ للمشركينَ، وأنا أريدُ أنْ أخالفَهم" (١).

ومعلوم أنَّ يوم العيد يومُ أكل وشرب، ويترك العمل والسعي في مصالحهم، وقد كانوا أمروا بيوم الجمعة كما أمرنا به، فخالفوا وبدَّلوا، فجعل عليهم غضبًا وتغليظًا، وتعظيم يوم الجمعة معروت عندهم، لكنَّهم غيَّروا وبدَّلوا.

والَّذي يقع التَّشبُّه بهم فيه ترك العمل، كما يفعله المصريون في هذه الأزمنة؛ فإنَّهم تشبَّهوا فيه بسبت اليهود، وكان - صلى الله عليه وسلم - يزور قباء كلَّ سبت، والله أعلم.

وفي الحديث دليل على جواز الحلف من غير استحلاف؛ لتحقق الأمر.


(١) رواه ابن حبان في "صحيحه" (٣٦١٦)، والإمام أحمد في "المسند" (٦/ ٣٢٣)، والنسائي في "السنن الكبرى" (٢٧٧٦)، وابن خزيمة في "صحيحه" (٢١٦٧)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٢٣/ ٢٨٣)، والحاكم في "المستدرك" (١٥٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>