للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحب هذا القبر -يشير إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (١)؟!

قال الداودي -وكان من أصحاب مالك-: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، ولو بلغه، لم يخالفه (٢).

واختلف العلماء في علَّة النَّهي عن صوم يوم الجمعة، والحكمة، فروي عن علي بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه -، وأبي ذر - رضي الله عنهما -: أنَّهما قالا: إنَّه يوم عيد وطعام وشراب، فلا ينبغي صيامه، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأورد الطَّحاوي في ذلك حديثًا مسندًا، غير أنَّ في سنده مقالًا، وبيَّنه بعضهم، ولفظه أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تصوموا يوم الجمعة" فإنَّه يومُ عيد، إلا أَنْ تَصِلوه بأيام" (٣)، يريد به: بعض الأَيَّام.

وقال بعضهم: يوم الجمعة يومُ دعاء وذكر وعبادة؛ من الغسل، والتبكير إلى الصَّلاة، وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذِّكر بعدها؛ لقول الله - عز وجل -: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة: ١٠]، وغير ذلك من العبادات في يومها، ويستحبُّ الفطر فيه؛ ليكون أعون له على هذه الوظائف، وأدائها بنشاط وانشراح لها، والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير صوم الحاج يوم عرفة بعرفة؛ فإنَّ السُّنَّة فيه الفطر؛ لهذه الحكمة.

فإن قيل: لو كان الأمر كما ذكرتم من العلَّة والحكمة، لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده؛ لبقاء هذا المعنى، والجواب أنه يحصل له بفضيلة الصوم الَّذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في [وظائف] يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحكمة في النَّهي عن إفراد صوم


(١) انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (٨/ ٩٣).
(٢) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٨/ ١٩)، و"حاشية ابن القيم على السنن" (٧/ ٤٧)، و"فتح الباري" لابن حجر (١٢/ ١٧٩).
(٣) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٢/ ٧٩)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" (٢٣٧)، وابن حبان في "صحيحه" (٣٦١٠)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>