للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في كتاب "أدب الجدل" له (١)، قال: لو أنَّ رجلًا رأى النَّبيَّ في المنام على الهيئة الَّتي نقلت في صفاته، فسأله عن مذهبه، فأفتى بخلاف ما هو مذهبه، ولكن لم يكن مخالفًا لنصٍّ ولا إجماع، هل يأخذ بفتياه، أو يأخذ بمذهبه الَّذي يستند إلى الدَّليل؟ فيه وجهان:

أحدهما: يأخذ بقوله؛ لأن قوله مقدَّم على القياس، وهذا مأخوذ من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رآني في المنام، فقد رآني؛ فإنَّ الشَّيطانَ لا يتمثَّل بي" (٢)، فصار كقوله في حياته.

وفي الوجه الثَّاني: الأخذ بالقياس أولى؛ لأنَّه دليل شرعي، والأحلام لا تعويل عليها، فلا يترك لأجلها الشَّرعي، والله أعلم.

لكن الاستناد إلى الرؤيا هاهنا أمر ثبت استحبابه مطلقًا في طلب ليلة القدر، وإنَّما يرجح السَّبع الأواخر بسبب المرائي الدَّالة على كونها في السَّبع الأواخر، وهو استدلال على أمر وجودي لزمه استحباب أمر شرعي بالتأكيد بالنِّسبة إلى هذه اللَّيالي، مع كونه غير مناف للقاعدة الكلية الثابتة من استحباب قيام ليلة القدر، وقد قالوا: تستحبُّ في جميع الشَّهر.

وفيه دليل على أنَّ ليلة القدر في شهر رمضان، وهو مذهب الجمهور، وقيل: إنَّها في جميع السنة كما تقدم.

قال الفقهاء: لو قال في رمضان لزوجته: أنت طالق ليلة القدر، لم تطلق حتى تأتي عليها سنة؛ لأن كونها مخصوصة برمضان مظنون، وصحَّة النِّكاح


(١) كتاب "أدب الجدل" للإمام علي بن أحمد السهيلي أبو الحسن الإسفراييني، المتوفى سنة (٤١٨ هـ)، وضع فيه غرائب من علم أصول الفقه وغيره. انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبيكي (٥/ ٢٤٦)، و"كشف الظنون" (١/ ٤٥).
(٢) رواه البخاري (١١٠)، كتاب: العلم، باب: إثم من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومسلم (٢٢٦٦)، كتاب: الرؤيا، باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من رآني في المنام، فقد رآني"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهذا لفظ مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>