ليلة سبع وعشرين، وهو قول جماعة من الصَّحابة، وقيل: سبع عشرة، وهو محكيٌّ عن زيد بن أرقم، وابن مسعود -أيضًا-، وقيل: تسع عشرة، وحكي عن ابن مسعود -أيضًا-، وحكي عن علي -أيضًا-، وقيل: آخر ليلة من الشَّهر.
ولا شكَّ أنَّ ليلة القدر موجودة، وأنَّها تُرى، ويتحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنة في رمضان، والأحاديث الثابتة الصَّحيحة تدلُّ على ذلك، وإخبار الصَّالحين بها، ورؤيتهم لها أكثرُ من أن تحصر.
ومنع المهلَّب بن أبي صفرة إمكان رؤيتها حقيقة، وغلَّطه العلماء، وحكوه عنه؛ للتنبيه على غلطه؛ لئلا يُغتر به، قالوا: وإنَّما أُخفي بيان علم عينها عن النَّاس؛ لأجل الاجتهاد في العبادة، وعدم الكسل؛ لأنَّهم لو علموا عينها، حملهم ذلك على تركها إلى ليلتها، واستغنوا بالاجتهاد فيها عن باقي اللَّيالي، والله أعلم.
قَولُه - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَى رُؤيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ"؛ أي: توافقت وتواطأت، مكتوب في النُّسخ كلِّها جميعها، بطاء ثمَّ تاء، وهو مهموز بغير ألف بينهما، وينبغي أنَّ يكتب بالألف بين الطاء والتَّاء صورة للهمزة، ولا بدَّ من قراءته مهموزًا، قال الله - عزَّ وجلَّ -: {لِيُوَاطئُوا عَدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ}[التوبة: ٣٧].
قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا، فَلْيَتَحَرَّهَا في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ" التَّحَرِّي: الاجتهاد وطلب الأحرى، ومعناه: فليجتهد في طلبها يطلب حينها وزمانها.
وفي الحديث دليل على عظم الرؤيا، والاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجوديات، وعلى ما لا يخالف القواعد الكلية من غيرها، فلو رأى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الرُّؤيا، وأمره بأمر سهل، يلزمه ذلك، وقيل: إنَّ فيه أنَّ ذلك إما أنَّ يكون مخالفًا لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - الأحكام في اليقظة، أو لا، فإن كان مخالفًا، عمل بما ثبت في اليقظة؛ لأنا، وإن قلنا بأنّ من رأى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على الوجه المنقول من صفته، فرؤياه حقٌّ، وهذا من باب تعارض الدليلين، والعمل بأرجحهما، وما ثبت في اليقظة، فهو أرجح، وإن كان غير مخالف لما ثبت في اليقظة، ففيه خلاف.