وفيه: دليل لمن رجَّح ليلة إحدى وعشرين في طلب ليلة القدر.
ومن ذهب إلى أنَّ ليلة القدر تنتقل في اللَّيالي، فله أنَّ يقول: كانت في تلك السَّنة ليلة إحدى وعشرين.
ولا يلزم من ذلك أنَّ تترجَّح هذه اللَّيلة مطلقًا، والقول بتنقلها حسن، لأن فيه جمعًا بين الأحاديث، وحثًّا على إحياء تلك اللَّيالي والأيام، وإِنَّما رجَّح تسمية العشر باللَّيالي؛ لأن وضعه كذلك، فيكون وضعها جمعًا لإبقائها.
وقد ورد في بعض الرِّوايات ما يدلُّ على أنَّ اعتكافه - صلى الله عليه وسلم - في العشر الأوسط كان لطلب ليلة القدر قبل أنَّ يعلم أنَّها في العشر الأواخر.
وفيه: دليل على أنَّ اللَّيلة إذا أطلقت، قد يراد بها الماضية التي اليوم بعدها، وقد يراد بها الآتية، وإذا أريد أحدهما، قُيِّدَ، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"وَهِيَ الّتي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِن اعتِكَافِه"، ولكن المشهور في استعمال الشرع واللغة أنها تستعمل عند الإطلاق في الماضية، واستعملها بعض الظاهرية من أهل الحديث في الآتية.
وفيه: دليل على أنَّ السُّنة للمصلي ألا يمسح جبهته في الصَّلاة، وهو متفق على استحبابه عند العلماء.
وقد يَستدلُّ بهذا الحديث بعض الحنفية على أنَّ مباشرة الجبهة بالمصلَّى في السُّجود غير واجبة، وهو من يقول: بأنَّه لو سجد على كور العمامة، كالطَّاقة والطاقتين صحَّ، ووجه الاستدلال أنَّه إذا سجد في الماء والطِّين، ففي السُّجود الأوَّل يتعلَّق الطِّين بالجبهة، فإذا سجد السُّجود الثاني، كان الطين الَّذي تعلَّق بالجبهة في السُّجود الأول حائلًا في السُّجود الثاني عن مباشرة الجبهة بالأرض.
والجواب عن هذا الاستدلال من وجهين:
أحدهما: أن يكون مسح ما تعلَّق بالجبهة أولًا قبل السُّجود الثَّاني، لو كان، كيف ولفظ الحديث:"فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وعَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الماءِ والطِّينِ" وأثر الشيء غيره.