للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المواطن، وليس في النَّهي عن الثَّلاثة تصريحٌ بإباحة اليوم أو اللَّيلة أو البريد.

قال البيهقيُّ: كأنه - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن المرأة، تسافر ثلاثًا بغير محرم، فقال: "لَا"، وَعَنْ يَوْمَيْنِ، فقال: "لَا"، وَعَنْ يَوْمٍ، فقال: "لَا"، وَكَذلكَ البريد، فأدَّى كلٌّ منهم ما سمعه (١)، وما جاء منها مختلفًا، عن راو واحد، فسمعه في مواطن، يروي تارة هذا، وتارة هذا، وكلُّه صحيح، وليس في هذا كلّه تحديد لأقلِّ ما يقع عليه اسم السَّفر، ولم يُرد - صلى الله عليه وسلم - تحديدَ أقل ما يسمَّى سفرًا، فالحاصل: أن كلَّ ما يسمى سفرًا تنتهي عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيَّام، أو يومين، أو يومًا، أو بريدًا، أو غير ذلك؛ لرواية ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السَّابقة: "لا تسافر المرأة إلَّا مع ذي محرم"، وهذا يتناول جميع ما يسمَّى سفرًا، والله أعلم.

واعلم: أنَّه لا بدَّ من تبيين المَحْرَمِ، ومعرفة حدِّه، وحقيقته:

قال العلماء من الشَّافعية: المحرم من النِّساء التي يجوز النَّظر إليها والخلوة بها، والمسافرة بها: كلُّ من حرم نكاحها على التَّأبيد بسبب مباح؛ لحرمتها، فقولنا: على التأبيد احتراز من أخت المرأة، وعمتها وخالتها ونحوهنَّ.

وقوله: بسبب مباح: احتراز من أمِّ الموطوءة بشبهة، وبنتها، فإنَّهما يحرَّمان على التَّأبيد وليستا محرَّمتين؛ لأن وطء الشُّبهة لا يوصف بالإباحة؛ حيث إنَّه ليس بفعل مكلَّف.

وقولنا: لحرمتها، احتراز من الملاعنة؛ فإنَّها محرَّمة على التأبيد بسبب مباح، وليست محرمًا؛ لأن تحريمها ليس لحرمتها، بل عقوبة وتغليظًا، والله أعلم.

أمَّا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ"، فهو عامٌّ في كلِّ امرأة، سواء الشَّابة والعجوز.

وحكى القاضي عياض عن الباجي من المالكيَّة: أنَّه قال: هذا عندي في


(١) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٣/ ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>