للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّابة، فأمَّا الكبيرة غير الشابة، فتسافر كيف شاءت كلَّ الأسفار بلا زوج ولا محرم.

قال شيخنا أبو زكريَّا النَّوويُّ، -قدَّس الله روحه-: وهذا الذَّي قاله الباجي لا يوافق عليه؛ لأن المرأة مظنَّة الطَّمع فيها والشَّهوة، ولو كانت كبيرة، وقد قالوا: لكلِّ ساقطة لاقطة، ويجتمع في الأسفار من سفهاء النَّاس وسقطتهم ما لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها؛ لغلبة شهوته، وقلَّة دينه ومروءته، وكثرة خيانته، ونحو ذلك، والله أعلم (١).

قال شيخنا أبو الفتح القاضي - رحمه الله -: والَّذي قال الباجي تخصيص للعموم بالنَّظر إلى المعنى، وخالفه بعض الشَّافعية المتأخِّرين، قال: وقد اختار هذا الشَّافعي: أن المرأة تسافر بالأمر ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير وحدها من جملة القافلة، وتكون آمنة. وهذا مخالف لظاهر الحديث، والله أعلم (٢).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ".

تنبيه: يوصف الإيمان بالله، واليوم الآخر على العمل بأحكام الشَّرع، والوقوف مع حدوده، في الظَّاهر والباطن، وأنَّ الحامل على ذلك إنَّما هو الإيمان لا غير، فإن من علم أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنب ويأخذ بالذنب وأنَّه محاسب عليه يوم القيامة، حمله ذلك على التَّقيُّد بفعل المأمور، وترك المنهيِّ، وذلك هو المطلوب، والله أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْ تُسَافِرَ" هو مطلق في كلِّ سفر، طويلًا كان أم قصيرًا، كما بيَّنَّاه في الكلام على روايات الحديث.

وهل هو عامٌّ في سفر كل طاعة، أم مخصَّص؟

أمَّا سفر الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، فاتَّفق العلماء على وجوبه، وإن لم يكن معها أحد من محارمها.


(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٩/ ١٠٥).
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٣/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>