وأمَّا سفر الحجِّ أو العمرة، فإن كانا واجبين، وهي مستطيعة كالرَّجل، فهل يشترط لاستطاعتها وجود محرم لها في سفرها لهما؟ فمذهب الشَّافعي في المشهور عنه: لا يشترط المحرم، بل يشترط الأمن على نفسها، وبه قال عطاء، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، ومالك، والأوزاعيُّ.
قال أصحاب الشَّافعيِّ: ويحصل الأمن بزوجٍ أو محرمٍ أو نسوة ثقاتٍ، ولا يلزمها الحجُّ إلا بأحد هذه الأشياء.
واشترط أبو حنيفة المحرم لوجوب الحجِّ عليها، إلَّا أن يكون بينها وبين مكَّة دون ثلاث مراحل، ووافقه جماعة من أصحاب الحديث، وأصحاب الرَّأي، وحكي أيضًا عن الحسن البصريِّ والنَّخعي.
وإن كانا تطوعًا، أو سفر زيارة، أو تجارة، ونحوها من الأسفار التي ليست واجبةً، فقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم، وقال بعضهم: يجوز لها الخروج فيها مع نسوةٍ ثقات، كحجَّة الإسلام.
قال القاضي عياض - رحمه الله -: واتَّفق العلماء على أنَّه ليس لها أن تخرج في غير الحجِّ والعمرة، إلَّا مع ذي محرم، إلَّا الهجرة من دار الحرب، كما ذكرنا، قال: والفرق بينهما: أنَّ إقامتها في دار الكفر حرام إذا لم تستطع إظهار الدين، وتخشى على دينها ونفسها، وليس كذلك التَّأخر عن الحجِّ، كيف وهو مختلف في أنَّه على الفور، أم التَّراخي (١)، فالَّذين اشترطوا المحرم لوجوب الحجِّ، استدلوا بهذا الحديث، فإنَّ سفرها للحجِّ من جملة الأسفار الدَّاخلة تحته، فيمتنع إلَّا مع المحرم، والَّذين لم يشترطوه قالوا: المشترط الأمن على نفسها مع رفقةٍ مأمونين، رجالًا أو نساءً، كما تقدَّم. ولا شك أنَّ هذه المسألة تتعلَّق بالعامَّين إذا تعارضا، وكان كلُّ واحدٍ منهما عامًّا من وجه، خاصًّا من وجه: بيانه: أن قوله -عزَّ وجلَّ-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧] يدخل تحته الرِّجال والنِّساء، فيقتضي ذلك أنَّه إذا وجدت