وقوله:"وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، أَنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنىَ عَلَيْهِ" زيادة في تحقيق السَّماع منه والفهم عنه بالقرب والرؤية، وأن سماعه منه ليس هو اعتمادًا على الصوت دون حجاب، بل على الرؤية والمشاهدة، وأنَّه بدأ بما ينبغي أن يبدأ به في الكلام وغيره.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ حرَّمَ مَكَّةَ، وَلَمْ يُحَرِّمها النَّاسُ" معناه: تفهيم المخاطبين تعظيم قدر مكَّة، بتحريم الله تعالى إيَّاها، ونفي ما تعتقده الجاهلية، وغيرهم؛ من أنَّهم يحرِّموا أو يحللوا، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا؛ لأنَّه من آمن بالله، لزمه طاعته، ومن آمن باليوم الآخر، لزمه القيام بما وجب عليه، واجتناب ما نُهي عنه مخلصًا خوف الحساب عليه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَلَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا" يسفك -بكسر الفاء، وحكي ضمّها- ومعناه: يسيله.
"وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً"، والعَضْد: القطع، يقال: عَضَد بفتح الضَّاد، يعضِد بكسرها، وهذا الخطاب عند علماء البيان، من باب خطاب التَّهييج، ومقتضاه: أن استحلالُ هذا المنهيِّ عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر، بل ينافيه، فهذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف، ولو قيل: لم يحل لأحد مطلقًا، لم يحصل فيه هذا الغرض.
ومن خطاب التَّهييج قوله -عزَّ وجلَّ-: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[المائدة:٢٣]، وغير ذلك مما يناسبه من الآيات.
وقد توهَّم بعض أصحاب الأصول: أنَّ هذا الحديث في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحلّ" إلى آخره، يدل على نفي الكفَّار، وأنَّهم ليسوا مخاطبين بفروع الشَّرع، والصَّحيح عند الأصوليين أنَّهم مخاطبون.
والجواب عن هذا التَّوهم: أنَّ ذكر وصف الإيمان بالله واليوم الآخر للشَّخص، هو المحصّل للإيمان له، والمؤمن هو الَّذي ينقاد لأحكام الشَّرع،