للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينزجر عن محرَّماته، ويستثمر الأحكام منه، فجعل الكلام فيه، لا أنَّ غيره من الكفَّار ليس مخاطبًا بالفروع، كيف وخطابه بهذه الكيفيَّة؛ إنَّما هو للتَّهييج إلى عدم استحلال المحرَّم وتحريم المحلل، واستقباح ذلك من المؤمن، والله أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بقتالِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -" إلى آخره يقتضي هو وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ دخلَ دارَ أبي سفيانَ فهو آمنٌ" (١) وجودَ قتال منه - صلى الله عليه وسلم -، وأن مكَّة فتحت عنوةً، وهو مذهب أبي حنيفة، والكثيرين، أو الأكثرين.

وقال الشافعي - رحمه الله -، وغيره: فتحت صلحًا، وتأولوا الحديث على أن القتال كان جائزًا له - صلى الله عليه وسلم - فيها لو احتاج إليه، لكنه ما احتاج إليه، ولو احتاج إليه، لفعله، وضعَّف ذلك، واستبعده جماعة بما ذكرنا أوَّلًا.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ": كل من حضر شيئًا، وعاينه، فقد شهده، وقيل له: شاهد. والغائب: من غاب عنه. وهذا اللَّفظ جاءت به أحاديث كثيرة، وقد أمر الله -عزَّ وجلَّ- نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - في كتابه بالتَّبليغ، وحثَّ عليه في غير آيةٍ؛ من النَّصيحة لله ورسوله، وإقامة الكتاب: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧]، وفي قوله -عزَّ وجلَّ-: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التَّوبة: ٩]، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النَّساء: ٦٤]، {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ} [المائدة: ٦٦]، ومن جملة ذلك كلِّه البلاغ، والله تعالى أعلم.

وقولُ عمرٍو لأبي شريحٍ: "أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ" إلى آخره: هو كلامه، ولم يسنده إلى رواية.

وقوله: "لا يعيذ عاصيًا"؛ أي: لا يعصمه.

وقوله: "وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ"، الخَرْبَةُ -بفتح الخاء المعجمة وسكون الرَّاء، ويقال بضمِّ الخاء- وأصلها: سرقة الإبل؛ كما قال المصّنف، وقد فسَّرها بالبليَّة والتُّهمة على وجهين:


(١) رواه مسلم (١٧٨٠)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فتح مكة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>