وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَكِن جِهَادٌ وَنِيَّةٌ"؛ أي: جهاد مع نيَّة خالصة؛ إذ العمل مع غير النيَّة الخالصة لا يعتد به، ولا يكون صحيحًا، ويحتمل أن يكون معناه: ولكن جهادٌ بالعمل لمن قدر عليه، أو نيَّة لمن لم يقدر عليه، بمعنى: لو قدر لفعل؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ماتَ ولم يجاهدْ، ولم يحدِّثْ نفسَه بالجهاد، ماتَ على شعبة من النِّفاق"(١).
ويحتمل أن يكون معناه: ولكن جهاد خاصٌّ، أو مطلق، ونيَّة مطلقة في كلِّ نوع من الخير، والله أعلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا"، معناه: إذا دعاكم وليُّ الأمر، أو مَنْ يقوم مقامه من نائب وغيره، إلى الغزو، فاذهبوا فيما دعاكم إليه، فإن كان الغزو فرض عينٍ، وجبَ الذَّهاب إليه عامًا، وإن كان فرضَ كفايةٍ، وجب على من يقوم به من المسلمين، ويتعيَّن على من دُعي إليه بأمر الإمام أو نائبه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ هَذَا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ"، تقدَّم الكلام عليه في أحكام الحديث قبله، والجمع بين اختلاف ظواهر الأحاديث فيه بمعنى التَّحريم في اللَّوح المحفوظ، وإظهار إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - له للنَّاس في زمنه، والله أعلم. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإنَّه لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ"، معناه: تحريم القتال فيه، وأنَّ تحريم القتال فيه ثابت لا ينسخ، وتقدَّم الكلام على ذلك في الحديث قبله، وكذلك على قوله:"لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ"، وأنَّ الشوك هل يحرم قطعه نفسه، أو يباح لكونه مؤذيًا.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ"؛ معنى لا ينفر: لا يُزعج من مكانه. ونبَّه - صلى الله عليه وسلم - بالنَّهي عن الإزعاج من مكانه وتنحيته عنه، على الإتلاف، وسائر أنواع الأذى؛ تنبيهًا بالأدنى على الأعلى؛ فإنَّه إذا حرم الإزعاج والتَّنحيةُ، فغيره أولى.
(١) رواه مسلم (١٩١٠)، كتاب: الإمارة، باب: ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.