وأمَّا التَّعليل بجهة الأكل: ففيه إبطال ما دلَّ عليه إيماء النَّص من التَّعليل بالفسق؛ لأنَّ مقتضى العلَّة أن يتقيَّد الحكم بها وجودًا وعدمًا. فإذا لم يتقيَّد، وثبت الحكم حيث يعدم؛ بطل تأثيرها بخصوصيَّتها في الحكم؛ حيث ثبت الحكم مع انتفائها، وذلك خلاف ما دلَّ عليه النَّص من التَّعليل بها.
ومنها على مذهب من قال بالتَّعدية: جوازُ قتل كلِّ مشارك للمذكورات في الأذى، سواء كان المشارك يلسع أم لا؛ كالبرغوث، أم ينقب، أو يعرض بالأذى؛ كابن عرس، أو يخطف؛ كالصقر والبازي، أم عادٍ بطبعه؛ كالأسد والفهد والنَّمر.
وتكون الدَّلالة على المذكورات من باب التَّنبيه على أنواع الأذى، وهو مختلف؛ فأذى الحيَّة والعقرب باللَّسع، والفأرة بالفساد، والغراب والحدأة بالاختطاف، والكلب العقور بالاعتداء بالطَّبع.
والذي قاله بالتَّعدية إلى كل ما لا يؤكل، أحال التَّخصيص في ذكر المذكورات في الحديث، دون غيرها؛ للغلبة في الملابسة للنَّاس، والمخالطة في الدُّور؛ بحيث إنَّه يعم أذاها، وذلك كلُّه سببٌ للتَّخصيص، والتخصيص بالغلبة ليس له مفهوم على ما عرف في الأصول، إلَّا أنَّ خصومهم جعلوا هذا المعنى معترضًا عليهم في تعديته الحكم إلى بقية السِّباع المؤذية، وتقريره: أنَّ إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق قياسًا، شرطُه مساواة الفرع للأصل، أو رجحانه، أمَّا إذا تعذر الأصل بزيادة يمكن أن تعتبر، فلا إلحاق.
ولمَّا كانت هذه الأشياء عامَّة الأذى، كما ذكرتم، ثمَّ أمكن أن يكون ذلك سببًا لإباحة قتلها؛ لعموم ضررها، وهذا المعنى معدوم فيما لا يعمُّ ضرره؛ ممَّا لا يخالط في المنازل، فلا تدعو الحاجة إلى إباحة قتلها، كما دعت إلى إباحة قتل ما يخالط من المؤذيات، فلا يلحق به، وأجاب الأولون عن هذا بوجهين:
أحدهما: أنَّ الكلب العقور أذاه نادر، وقد أبيح قتله.
والثَّاني: معارضة الندرة في غير هذه الأشياء بزيادة قوَّة الضَّرر.