ألا ترى أنَّ تأثير الفأرة بالفساد مثلًا، والحدأة بالخطف، شيء يسير لا يساوي ما في الأسد والفهد من إتلاف الأنفس، فكان إباحة القتل أولى، وهذا كلُّه يرجع إلى دلالة التَّنبيه، وهو بالأدنى على الأعلى جائزٌ اتِّفاقًا، وبالأعلى على الأدنى جوازه مرجوح، والله أعلم.
قال أصحاب الشَّافعيِّ -رحمهم الله-: للمحرم تنحية القمل من بدنه وثيابه، ولا كراهة في ذلك، وله قتله، ولا شيء عليه، بل يستحبُّ للمحرم قتله، كما يستحبُّ لغيره. قالوا: ويكره للمحرم أن يفلِّي رأسه ولحيته، فإن فعل، فأخرج منها قملة وقتلها، تصدَّق، ولو بقملةٍ، نصَّ عليه الشَّافعيّ.
واختلف الأصحاب في هذا التَّصدق على وجهين:
أرجحهما: أنَّه مستحبٌّ.
والثَّاني: واجب؛ لما فيه من إزالة الأذى عن الرَّأس واللحية، وكان هذا الوجه يحتجّ إلى منع التَّعدية، في جواز قتل ما سوى السِّت المذكورات في الحديث، ولعلَّ الشَّافعيّ إنَّما أمر بالتصدق استحبابًا، خروجًا من الخلاف، لا وجوبًا، والله أعلم.
ومنها: جواز قتل الكلب العقور، واختلف العلماء في المراد به كما تقدَّم، جمهورُ العلماء على أنَّ المراد به: كلُّ عادٍ مفترسٍ، واستدلُوا على ذلك؛ بأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دعا على عتبةَ بنِ أبي لهب بأن يسلَّط عليه كلبٌ من كلابه (١)، افترسه سبع، فدل على تسميته بالكلب.
ورجّح من قال: إنَّ المراد به الكلب الإنسي المتخذ بأنْ يسميه غيره به، خلاف العرف، وإذا نقل اللَّفظ من المعنى اللُّغوي إلى المعنى العرفيِّ، كان حمله عليه أولى، لكن هذا عند الإطلاق من غير نظرٍ إلى قرينةٍ تقوِّي أحدهما، أمَّا إذا عقلت القرينة، كان ما اقترنت به أولى، سواء اقترنت باللُّغوي أو العرفيِّ، والله أعلم.