وقد اختلف المالكيَّة في قتل صغار الغراب والحدأة على قولين: أشهرهما: القتل، فأمَّا من منع قتلها، فاعتبر الصِّفة التي علَّل القتل بها، وهي الفسق، على ما شهد به إبهام اللَّفظ، وهو معدوم في الصِّغار حقيقة، والحكم يزول بزوال علَّته؛ وكذلك عندهم في صغار الكلب قولان أيضًا، لكنَّ عدم القتل فيه أولى؛ لأنَّه أبيح قتله في حالة تتقيَّد الإباحة بها، وهي كونه عقورًا، وهي مفقودة في الصِّغر، غير معلومة الوجود في حالة الكبر على تقدير البقاء؛ بخلاف غيره من المذكورات؛ فإنَّه ينتهي بطبعه عند الكبر إلى الأذى قطعًا، وأمَّا صغار باقي المذكورات، فيقتل، وظاهر اللَّفظ والإطلاق يقتضيه.
ومنها: جواز قتل من لجأ إلى الحرم وقد وجب عليه قتلٌ بقصاص، أو رجمٌ بالزِّنا، أو قتلٌ بالمحاربة، وغير ذلك، وأنَّه يجوز إقامة الحدود فيه، سواء كان موجب ذلك في الحرم أو خارجه، ثمَّ لجا إليه، وهو مذهب مالك والشَّافعيِّ وآخرين.
وقال أبو حنيفة: ما ارتكبه من ذلك في الحرم، يقام عليه، وما فعله خارجه، ثمَّ لجأ إليه، إن كان إتلاف نفسٍ، لم يقم عليه في الحرم، بل يضيَّق عليه، ولا يكلَّم، ولا يجالس، ولا يبايَعُ، حتى يضطرَّ إلى الخروج منه خارجه، فيقام عليه. وما كان دون النَّفس، يقام فيه، وبه قال طائفة، وحجَّتهم: قول الله -عزَّ وجلَّ-: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران: ٩٧].
وحجَّتنا عليهم: مشاركة فاعل هذه المذكورات في اسم الفسق، فيعمُّه، بل فسقه أفحش؛ لكونه مكلَّفًا، بخلاف المذكورات؛ فإنَّ فسقها طبيعيٌّ، ولا تكليف عليها، والمكلَّف المرتكب للفسق هاتكٌ حرمةَ نفسه، فهو أولى، ولأنَّ التَّضييق الَّذي ذكره لا يبقى لصاحبه أمان، فخالفوا ظاهر ما فسَّروا به الآية.
قال القاضي عياض - رحمه الله -: ومعنى الآية عندنا وعند أكثر المفسِّرين: أنَّه إخبار عما كان قبل الإسلام، وعطف على ما قبله من الآيات، وقيل: أمن