واعلم: أن الرَّمل شُرع لحكمة إظهار القوَّة للمؤمنين، [و] إرغامًا للمشركين، أو، لإظهار التوحيد للرَّب -سبحانه وتعالى- وأما أمره بحضرتهم.
وقد زالت الحكمة التي شُرع لأجلها، وحكمه باقٍ إلى يوم القيامة عند جميع العلماء، إلا ابنَ عباس - رضي الله عنهما -؛ فإنه قال باستحبابه في ذلك الوقت، وزال بزوال علَّته، ففعله حينئذٍ تأسيًا واقتداءً بما فعل في زمن الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، كما وقع التأسي بكثير من أفعال الحجِّ تعبُّدًا؛ كالسَّعي ورمي الجمار؛ فإن السعي سبب التَّعبُّد به قصَّةُ هاجر مع ابنها إسماعيل، وتركهما إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في ذلك المكان الموحش منفردين منقطعي أسباب الحياة بالكلِّية، مع ما أظهر الله -سبحانه- من الكرامة والآية في إخراج الماء لهما حين سعت هاجر بين الصَّفا والمروة؛ لئلا ترى الألم بإسماعيل - عليه السلام - عند موضع زمزم، وتركها له هناك، وكذلك سبب التعبد برمي الجمار: أن إبليس اللعين سعى بالجمار في هذه المواضع، عند إرادة إبراهيم ذبح ابنه امتثالًا لأمر الله تعالى.
وفي شرعيَّة ذلك جميعه من الفوائد المتكثرة ما يزيد أولي الألباب تبصُّرًا وتذكُّرًا:
فمنها: تذكُر وقائع السّلف الكرام للمتأخرين، إذ في تذكرها مصالح دينيَّة في أشياء كثيرة.
ومنها: ما كانوا عليه من امتثال أمر الله تعالى، والمبادرة إليه، وبذل النفس في ذلك جميعه.
ومنها: تعظيمهم باحتمال مشاق امتثال الأوامر، والصبر عليه، ووجود عدم المعين عليها والمفند عنها؛ فإن ذلك جميعه باعثٌ لنا على التَّأسي والتعظيم.
وكل ما ذكرنا معنى معقول تبيَّن في أشياء كثيرة، والله أعلم.