منها: استحباب الرَّمل، وهو سنة ثابتة مطلوبة على تكرر السِّنين، وهو مذهب جميع العلماء من الصحابة -رضي الله عنهم-، والتابعين، ومن بعدهم، وخالفهم ابن عباس - رضي الله عنهما -، وقال: إنما سنَّة سَنّهُ في تلك السَّنة؛ لإظهار القوة عند الكفار، وقد زال ذلك المعنى، وقد بيَّنا الحكمة والسِّرَّ فيه.
وأجمع من قال باستحبابه على أنه في الطَّوفات [الثلاث الأُوَل من السِّبع، إلا عبد الله بن الزبير، فإنه قال: يسن في الطَّوفات السبع](١)، فإن تركه، فقد ترك سنَّةً، وفاتته الفضيلة، ويصحُّ طوافه، ولا دم عليه، وقال الحسن البصري، والثوري، وعبد الملك بن الماجشون المالكي: إذا ترك الرَّمل، لزمه دم، وكان مالك - رحمه الله - يقول به، ثمَّ رجع عنه.
ولا يسنُّ الرمل إلا في طواف العمرة، وفي طواف واحد في الحج، ولا يستحب إلا في طواف يعقبه سعيٌ، سواء كان السَّعي بعد طواف القدوم، أو بعد طواف الإفاضة، وهذا قول جماعة من العلماء، وهو أصح قولي الشَّافعي، وفي القول الثاني له: يستحب بعد طواف القدوم مطلقًا، أو بعد طواف الإفاضة، وهذا قول جماعة من العلماء، سواء أراد السعي بعده أم لا.
قال أصحاب الشَّافعي: ولا يتصور الرَّمل في طواف الوداع؛ لأن شرط جواز طواف الوداع: أن يكون قد طاف للإفاضة، والرمل إمَّا يُسَن فعله بعد القدوم مطلقا، وإما بعد طوافٍ يعقبهُ سعي، ولا يكون السعي إلا بعد أحدهما، لكن فعله مستحب بعد طواف القدوم، قالوا: ولو ترك الرَّمل في الثلاث الأُوَل من السَّبع، لم يأت به في الأربع الأواخر؛ لأن السنة فيها المشي على العادة، فلا يغيِّره.
ولو لم يمكن الرمل للزَّحمة، أشار في هيئة مشيه إلى صفة الرامل، ولو لم يمكنه الرَّمل بقرب الكعبة للزحمة، وأمكنه إذا تباعد عنها، فالأَوْلى: أن يتباعد