للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بكلام العارفين بالله بلفظ فصيح لا عقدة فيه ولا لكنة. وكان عقد لسانه في الخطاب عناية من الله لأنّه - رحمه الله - كان ممّن أوقفه الله في باب المكاشفة. ويقصده النّاس من كلّ ناحية ويسألونه عن الأمور قبل ظهورها لهم، فإن أجاب بالواقع كلّ أحد فربّما كان الخبر بما يسوء النّاس فانعقد لسانه - رحمة (من الله) (٦٢٠) للخلق -، وكان مبشّرا بالمسرّة إشارة، وقد يبشّر بقدوم المسافر فيقول: جاء جاء، كاتما للمصيبة، فيبشّر أهل المسافر وأهل المريض ممّن كتب الله سلامته وعافيته، ومن تعسّرت عليها الولادة ودخل عليها دلّ على / خلاصها على أحسن حال، ولا تخطئ بشارته قطّ إذا قالها من عند نفسه، أمّا بالتّلقين وكثرة الإلحاح (٦٢١) فلا يفيد خبره شيئا، لأنّ الولي إذا أطلعه الله على شيء أنطقه به وإن أراد الله البشارة به ولا يحتاج لسؤال ولحّ، وإن لا فلا، فلا تأخذ من الولي إلاّ ما لاقاك به من غير مواعدة.

وكان - رحمه الله - حسن الخلق محبّبا عند جميع النّاس فيتحمّل منهم أذيّتهم ويقبلها بعفو وصفح، ويعامل الكبير والصغير، والحرّ والعبد، والذّكر والأنثى، والغني والفقير، والقريب والبعيد معاملة واحدة، وكلّ من أوقفه وقف له، ويضع - رحمه الله - يده على صدره كالإشارة بأنّي ضامنك، وقد يسأل فيقال: أضامن؟ فيشير بيده أن نعم.

وكان لا يقبل من أحد دينارا ولا درهما، ولم يمسّه قطّ، نعم إن وعده أحد من أهل الخير بشيء سرّا جاء ومعه نقيبه فيقول النّقيب: هل وعدت الشّيخ بشيء؟ فيقول:

نعم، فيذهب الشّيخ ويتسلّم النّقيب ما فتح الله به.

وله بعض أحبّة مخصوصين يقصدهم ويدخل دورهم غائبين وحاضرين ويأكل من طعامهم وربّما أشار لأهل المحلّ باستدعاء طعام فيحضر له ما تيسّر فيأكل ما قسم له، ولا يظهر الغضب قطّ إلاّ لمن وقع منه منهى عنه سرّا، فيضربه ضربة أو ضربتين أو ثلاثا وجيعات، وقد يعضّه عضّا شديدا فيفهم صاحب المعصية فيتوب من وفّقه / الله تعالى، وكان محبا لزيارة الصّالحين أحياء وميتين، ويسافر مع الناس لزيارة أولياء الساحل (٦٢٢)، وإذا عملوا السّماع أخذه الحال والتّواجد حتّى لا يملك نفسه ولا يضبط حسّه، ومهما


(٦٢٠) ما بين القوسين ساقط من بقية الأصول.
(٦٢١) في الأصول: «اللح».
(٦٢٢) بقرية سيدي عامر المزوغي وبجمال وما حواليها كمصدور وبعوينة الساحلين.