للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صفقة أبي غبشان» (٩١). فلما صار المفتاح إلى قصيّ، تناكرته خزاعة وكثر كلامها عليه، فاجتمع على حربهم، فحاربهم وأخرجهم من مكّة، وولي قصي أمر الكعبة (٩٢)، وجمع قومه فملكوه على أنفسهم وكانوا يحترمون أن يسكنوا مكة ويعظمونها عن أن يبنوا بها بيتا مع بيت الله فكانوا يكونون بها نهارا فإذا أمسوا خرجوا إلى الحل، ولا يستحلون الجنابة بمكة، فلما جمع قصي قومه إليه أذن لهم أن يبنوا بمكّة بيوتا وأن يسكنوها، وقال لهم:

ان سكنتم الحرم هابتكم العرب ولم تستحل قتالكم، ولا يستطيع أحد إخراجكم، فقالوا له: أنت سيدنا ورأينا تبع لرأيك، فجمعهم حول البيت وفي ذلك يقول قائلهم: «أبوكم قصيّ كان يدعى مجمعا. . .» (٩٣).

وابتدأ فبنى دار النّدوة (٩٤) والنّدوة في اللغة الاجتماع، فكانوا يجتمعون فيها للمشورة وغيرها من المهمات، فلا تنكح امرأة ولا يتزوج رجل من قريش إلاّ فيها، ولا يدخلها من قريش ولا غيرهم إلاّ ابن أربعين سنة، وبنو قصي يدخلونها كلهم، وقسم جهات البيت الشريف بين طوائف قريش، فبنوا دورهم حول الكعبة من الجهات الأربع (٩٥)، وتركوا للطواف (٩٦) ببيت الله مقدارا، وهو المسمى بالمطاف، فاجتمع لقصيّ ما لم يجتمع لغيره / من الحجابة والسّقاية، والرّفادة (٩٧)، والنّدوة، واللّواء، والقيادة - حسبما مر -.

فالحجابة هي سدانه البيت بتولي مفتاحها، والسّقاية سقي الحجّاج كلهم الماء العذب، وكان عزيزا بمكة فيجلب إليها ليسقى الحجاج منه، وينبذ لهم بالتّمر والزّبيب لتقوى حلاوته، فكانت وظيفة فيهم، وأما الرّفادة فإطعام الطعام لسائر الحجاج، تمدّ لهم الأسمطة أيّام الحجّ، وكانت السّقاية والرفادة مستمّرة إلى أيام الخلفاء ومن بعدهم


(٩١) وفي ت وط: «أحسن».
(٩٢) الإعلام ٤٥ واليعقوبي ١/ ٢٣٩ - ٢٤٠ وأورد رواية أخرى في صعود قصي إلى ولاية البيت أنظر نفس المرجع ص: ٢٣٨.
(٩٣) مطلع بيتين سبق ذكرهما.
(٩٤) لما ثبت البيت في يد قصي «بنى داره بمكة، وهي أول دار بنيت بمكة، وهي دار الندوة» اليعقوبي ١/ ٢٣٩ والنقل من الإعلام كما أشرنا.
(٩٥) اليعقوبي ١/ ٢٣٩ والطبري ٢/ ٢٥٩.
(٩٦) كذا في ت، في ش: «للطوائف»، وفي ط: «الطوائف».
(٩٧) في الأصول: «الوفادة» والمثبت من الإعلام ص: ٤٦ واليعقوبي ١/ ٢٤١ والطبري ٢/ ٢٥٩. عن قصي ووظائفه أنظر أخبار مكة للأزرقي ١/ ٩٢ - ٩٦ والإعلام بأعلام بيت الله الحرام ص: ٤٥ - ٤٦، المؤلف ناقل لما في الإعلام.