للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فخرج مؤنس الخادم (١٧٨) على المقتدر، فركب ومعه الجيش والأمراء وجاءوا إلى دار الخلافة فهرب خواص المقتدر من داره ونهبوا دار الخلافة، فكان مما نهبوا ستمائة ألف دينار لأم المقتدر فأشهد المقتدر على نفسه بالخلع لأربع عشرة ليلة خلت من المحرّم سنة سبعة عشر وثلاثمائة (١٧٩) وأحضر أخوه أبو منصور محمد بن المعتضد بن الموفّق بن المتوكّل ابن المعتصم، وبايعه مؤنس والأمراء ولقّبوه «القاهر بالله» وفوّضت الوزارة إلى أبي علي بن مقلة الكاتب المشهور، وجلس القاهر يوم السبت فكتب ابن مقلة (١٨٠) إلى سائر البلاد، وعمل يوم الإثنين الديوان، فجاء الجند يطلبون منه انعام الجلوس، فارتفعت الأصوات، فمنعهم الحاجب من الدخول إلى الخليفة، فقتلوه ومالوا إلى دار مؤنس وأخرجوا المقتدر من الحبس، وحملوه على أعناقهم إلى دار الخلافة، وجلس على السّرير / وأتوا بأخيه محمّد القاهر إليه وهو مقهور يبكي، ويقول: الله الله يا أخي في روحي (١٨١)، فاستدناه المقتدر وقبّله بين عينيه وقال له: يا أخي لا ذنب لك، وأنت مغلوب على أمرك والله لا ينالك مني ما تكره فطب نفسا وقرّ عينا. ولمّا زال روعه آوى إليه أخاه وقال: {إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} (١٨٢) وبذل المقتدر الأموال للجند واسترضاهم وثبتت له الخلافة.

وهذه المرّة الثالثة: وهي الثابتة لآخر عمره، وكان كثير الجود والعطاء في الحجّ وغيره بشيء خارج عن المعتاد، وله أبهة عظيمة، فمن ذلك أنه قدمت عليه رسل ملك الرّوم بهدايا يطلب الهدنة، فعمل المقتدر موكبا عظيما لإرهاب العدو (١٨٣) فأقام مائة وستين ألف مقاتل بالسّلاح الكامل سماطين من باب الشّماسية إلى دار الخلافة بتعداد يمرّ الرسل بينهما في هذه المسافة، وأقام بعدهم الخدّام وهم سبعة آلاف خادم، ثم الحجّاب وهم سبعمائة حاجب، وكانت الستور التي نصبت على حيطان دار الخلافة ثمانمائة وثمانين ألف ستر من الدّيباج، وكانت البسط التي فرشت على الأرض اثنين وعشرين ألف بساط، وفي الحضرة مائة سبع بسلاسل الذّهب والفضّة ومن ذلك برد فيه شجرة


(١٧٨) ابن الأثير ٨/ ٢٠٠ - ٢٠١.
(١٧٩) ٢٧ فيفري ٩٢٩ م.
(١٨٠) الكامل ٨/ ٢٠٢، مروج الذهب ٤/ ٢٢١.
(١٨١) في الكامل: «نفسي، أذكر الرحم التي بيني وبينك» ٨/ ٢٠٦.
(١٨٢) سورة يوسف: ٦٩.
(١٨٣) عن حرب المقتدر مع الروم أنظر الكامل: ٨/ ٢٣٣ - ٢٣٥.