للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صيغت من الذهب والفضّة والجواهر، تشتمل على ثمانية عشر غصنا أوراقها من الذّهب والفضّة وأغصانها تتمايل بحركات مصنوعة، وعلى الأغصان طيور من ذهب وفضة تنفخ فيها الريح، فيسمع لكلّ طير / تغريد وصفير خاص.

وفي أيام المقتدر كان ظهور أبي طاهر القرمطي (١٨٤) في عسكر جرّار، فدخلوا بخيلهم وسلاحهم إلى المسجد الحرام، ووضعوا السّيف في الطّائفين والمصلّين والناس مجرّدون محرمون في إحراماتهم، إلى أن قتلوا في المسجد الحرام ومكّة وشعابها ثلاثين ألف إنسان، وركض أبو طاهر بسيفه مشهورا في يده وهو سكران يصفّر بفرسه عند البيت الحرام، فبال وراث والحجّاج يطوفون حول البيت العتيق والسّيوف تنوشهم، فقتل في المطاف الشريف ألف وسبعمائة طائف وطمي بأشلاء الشهداء بئر زمزم (١٨٥) وما بمكة من آبار وحفر قد ملئت بهم، وطلع أبو طاهر إلى الكعبة وقلع بابها وهو يقول:

[رمل]

أنا بالله وبالله أنا ... نخلق الخلق وأفنيهم أنا

وصاح في الحجّاج «يا حمير أنتم تقولون {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً} (١٨٦) فأين الأمن؟ وقد فعلنا ما فعلنا» فأخذ شخص بلجام فرسه فقال وقد استسلم للقتل: معنى الآية الشريفة ليس ما ذكرت، وإنما معناها من دخله فأمّنوه، فلوى أبو طاهر عنان فرسه عنه ولم يلتفت إليه وصانه الله تعالى ببركة بذل نفسه في سبيل الله وتوكّله عليه، وأراد قلع الميزاب وكان من ذهب فأطلع قرمطيا ليقلعه (١٨٧) فأصيب بسهم من أبي قبيس فما أخطأ نحره وخرّ ميتا وأمر آخر مكانه فسقط من فوق إلى أسفل على رأسه ميتا، فهاب الثالث الإقدام على القلع / فمضى أبو طاهر وتركه على رغم أنفه، وقال: أتركه حتى يأتي صاحبه، أعني المهدي الذي يزعمون أنه يخرج فيهم، وقتل من فقهاء المذاهب وعلماء الأمة وأعيان الصّوفية ومن الحجّاج الأفاقية: مغاربة وخرسانيين وما بين ذلك، ما لا يحصى ولا يعدّ ولا يستقصى، وسبيت نساؤهم وذراريهم، ونهبت دور أهل مكّة حتى افترقوا بعدها، ولم يقف بالجبل هذه السنة إلاّ نفر يسير فوقفوا بدون إمام، سمحوا بأنفسهم ابتغاء مرضاة الله


(١٨٤) أنظر الكامل ٨/ ٢٠٧ - ٢٠٨.
(١٨٥) الكامل ٨/ ٢٠٨.
(١٨٦) سورة آل عمران: ٩٧.
(١٨٧) في الأصول: «ليقسه» والمثبت من الكامل ٨/ ٢٠٨.