للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسلّمهم الله حتى أكملوا حجّهم، وأخذ أبو طاهر خزائن الكعبة وما فيها من الذّهب والفضّة وكسوة الكعبة وحليتها مع ما نهبوه من الحجّاج فقسّمه في أصحابه، وأراد أخذ مقام إبراهيم فغيّبه السّدنة في بعض شعاب مكّة فتألّم ودعا جعفر بن أبي سلاح البنّاء وأمره بقلع الحجر الأسود من محلّه فقلعه بعد العصر يوم الإثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجّة وصار يتردّد فيه بقوله - قاتله الله -:

[طويل]

فلو كان هذا البيت لله ربّنا ... لصبّ علينا النار من فوقنا صبّا

لأنا حججنا حجّة جاهلية ... محلّلة لم تبق شرقا ولا غربا

وإنا تركنا بين زمزم والصفا ... جنائز لا تبغي سوى ربّها ربّا

وقلع ذلك الكافر قبّة زمزم وباب الكعبة وأقام بمكّة أحد عشر يوما وقيل ستة أيام، ثم انصرف إلى بلد هجر وحمل / معه الحجر الأسود (١٨٨) يريد أن يحوّل الحجّ إلى مسجد ضرار الذي سمّاه دار الهجرة وعلّقه في الأسطوانة السّابعة مما يلي حجرة الجامع الغربيّة من المسجد، وبقي موضح الحجر الأسود من البيت الحرام خاليا يضع الناس أيديهم فيه ويلثمونه تبرّكا بمحلّه، وأمر هذا الفاجر أن يكتب لعبيد الله المهدي أول الخلفاء المهديين الفاطميين القائم بالمغرب، - حسبما يأتي إن شاء الله شرح حاله - وكان أول ظهوره، فبلغ ذلك عبيد الله المذكور فكتب إليه: «إن أعجب العجب إرسالك بكتابك إلينا ممتنا بما ارتكبت في بلد الله الأمين من انتهاك حرمة بيت الله الحرام الذي لم يزل محترما جاهلية وإسلاما، وسفكت فيه دماء المسلمين، وفتكت بالحجّاج والمعتمرين، وتجرّأت وتعدّيت على بيت الله الحرام، وقلعت الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض يصافح بها عباده وحملته إلى أرضك، ورجوت أن أشكرك، فلعنك الله ثم أبعدك الله، والسلام على من سلم المسلمون من لسانه ويده، وقدم في يومه ما ينجو به في غده»، فلمّا وصل كتاب عبيد الله المهدي إلى أبي طاهر القرمطي، وعرف ما فيه انحرف عن طاعته واستمرّ الحجر عندهم أكثر من عشرين سنة (١٨٩)، يستجلبون به الناس طمعا أن يحوّل الحجّ إلى بلدهم، ويأبى الله ذلك، وهذه من أعظم مصائب الإسلام، / واستمرّت حسرتها في


(١٨٨) الكامل ٨/ ٢٠٧.
(١٨٩) ذكر ابن الأثير: «أنه لمّا وصله كتاب المهدي أعاد الحجر الأسود على ما نذكره واستعاد ما أمكنه من الأموال من أهل مكة». الكامل ٨/ ٢٠٨.