للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلوب أهل الإيمان إلى أن دمّر الله تلك الطائفة، وابتلى الله أبا طاهر هذا بأكلة فصار يتناثر لحمه بالدّود ومات أسوا ميتة بعد أن عذّب بأنواع العذاب {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى} (١٩٠). ولمّا يئست القرامطة من تحويل الحجّاج حجّهم ردّوا الحجر الأسود إلى محلّه، وورد سنبر بن الحسن القرمطي إلى مكّة يوم النّحر يوم الثلاثاء عاشر ذي الحجّة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة (١٩١) ومعه الحجر الأسود (١٩٢)، فلمّا بلغ الكعبة حضر معه أمير مكة أبو جعفر محمد بن الحسن بن عبد العزيز العبّاسي، فأظهر سفطا أخرج منه الحجر الأسود وعليه ضباط من فضّة في طوله وعرضه لضبط شقوق فيه، وأحضر معه جصّا يشدّه به، فوضع حسن بن المزوق البنّاء الحجر في مكانه الذي قلع منه، وقيل وضعه سنبر بيده، وقال: أخذناه بقدرة الله تعالى وأعدناه بمشيئته، وقد أخذناه بأمر ورددناه بأمر، ولمّا أعيد الحجر الأسود إلى مكة حمل على قعود هزيل فسمن، وكان لمّا ذهبوا به مات تحته أربعون جملا، وكانت مدّة استمراره عند القرامطة اثنين وعشرين سنة إلاّ أربعة أيام، وكان المنصور بن القائم بن المهدي العبيدي، أرسل أحمد بن أبي سعيد القرمطي - أخا طاهر - بخمسين ألف دينار ذهبا في الحجر الأسود لردّه فلم يفعل، وكذا بذل بجكم التّركي مدبّر الخلافة خمسين ألف دينار للقرامطة على ردّ الحجر فأبوا، وقالوا: أخذناه بأمر ولا نردّه إلاّ بأمر / حتى أراد الله ردّه فردّ، ثم إن الحجبة خافوا على الحجر الأسود من استطالة يد خائن إليه لعدم استحكام بنائه فقلعوه وجعلوه في البيت العتيق حفظا له، ثم أمروا صانعين فصنعا له طوقا من فضّة وزنه ثلاثة آلاف وسبعة وثلاثون درهما، فطوّقوا به الحجر وشدّوا عليه به وأحكموا بناءه في محلّه كما كان كذلك قديما وكما هو الآن.

ثم إن المقتدر وقع بينه وبين مؤنس حرب (١٩٣) فتوغل في المعركة فضربه واحد من البربر من خلفه فسقط إلى الأرض، فقال لضاربه: ويلك أنا الخليفة، فقال: أنت المطلوب، فذبحه بالسّيف سنة عشرين وثلاثمائة (١٩٤) ورفع رأسه على الرمح وسلب ما عليه


(١٩٠) سورة طه: ١٢٧.
(١٩١) ٢٠ ماي ٩٥١ وفي التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنكية والقبطية لمحمد مختار باشا: «رجع الحجر الأسود إلى مكانه في محرّم من نفس السنة».١/ ٣٧١.
(١٩٢) عن رجوع الحجر الأسود أنظر الكامل ٨/ ٤٨٦.
(١٩٣) سمّاها الكامل: «وحشة» وتعدّدت، أنظر ٨/ ٢٢٤ و ٢٣٢ و ٢٣٧.
(١٩٤) ٩٣٢ م.