للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل (٥٨) إنه لم يعبر الفرات في قديم الزّمان ولا حديثه في الاسلام ملك تركي قبل ألب أرسلان، فانه أوّل من عبره من ملوك التّرك، ثم رجع من بلاد التّرك وقد كمل عسكره مائتي ألف فارس أو يزيدون فمدّ على جيحون جسرا، وأقام العسكر يعبر عليه شهرا، وعبر هو بنفسه ومدّ السّماط في بليدة يقال لها «فربر»، وبتلك البليدة حصن على شاطئ جيحون، في السادس من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وأربعمائة (٥٩)، فأحضر إليه أصحابه مستحفظ الحصن يقال له «يوسف الخوارزمي» [وكان] قد ارتكب جريمة في أمر الجيوش، فحمل إليه مقيّدا، فلمّا قرب منه أمر بضرب أربعة أوتاد وتشدّ أطرافه الأربعة إليها ويعذّب ثم يقتل، فقال يوسف المذكور:

ومثلي يفعل به مثل هذه المثلة؟ فغضب ألب أرسلان، وأخذ قوسه، وجعل فيه سهما، وأمر بحلّ قيده ورماه فأخطأه وكان مدلا برميه، وكان جالسا على سريره، فنزل عنه فعثر ووقع على وجهه فبادر يوسف المذكور وضربه بسكين كانت معه في خاصرته، فوثب عليه فراش أرمني فضربه / في رأسه بمرزبة فقتله، فانتقل ألب أرسلان إلى خيمة أخرى مجروحا، وأحضر وزيره نظام الملك أبا [علي] الحسن، وأوصى إليه، وجعل ولده ملك شاه وليّ عهده، وتوفي يوم السبت عاشر الشهر (٦٠)، وكانت ولادته سنة أربع وعشرين وأربعمائة (٦١)، ومدة ملكه تسع سنين وأشهرا.

فتولّى بعده ملكشاه أبو الفتح بن ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق الملقب «جلال الدّولة» (٦٢).

ولمّا توفي والده ألب أرسلان - في التاريخ المذكور - كان ملكشاه في صحبته، ولم يصحبه قبلها في سفر غير هذه السّفرة، فولي الأمر من بعده بوصيته وتحليف الأمراء والأجناد على طاعته، وأوصى وزيره نظام الملك على تفرقة البلاد بين أولاده، ويكون مرجعهم لملكشاه، ففعل ذلك وعبر [بهم] نهر جيحون راجعا إلى البلاد.

فلمّا وصل إلى البلاد وجد بعض أعمامه [وهو قاروت بك] (٦٣) قد خرج عليه.

فعاجله وتصافا بالقرب من همذان، فنصره الله على عمّه، فتبعه بعض جند ملكشاه


(٥٨) نقلا عن المأمون في تاريخه، كما ذكر ابن خلكان.
(٥٩) ٤ أوت ١٠٨٢ م.
(٦٠) ٨ أوت ١٠٨٢ م.
(٦١) ١٠٣٢ - ١٠٣٣ م.
(٦٢) النقل من ترجمة ملكشاه السلجوقي في الوفيات ٥/ ٢٨٣.
(٦٣) الاضافة من الوفيات ٥/ ٢٨٤.